ـ أيذهب ذلك كله؟ أتدمر البصرة؟ سأل فجأة بصوت عال فلم يملك أبو الليل إلا أن يعجب.
ـ ولماذا يقصفونها، إذن؟
ـ يا إلهي!! هي ذي الكارثة!! أيحل الخراب بالبصرة من جديد؟ أيعيد التاريخ سيرته الأولى؟ أيفعل الأمريكان بالبصرة مثلما فعل الزنج؟
ـ ليتهم الأمريكان فحسب، إنه العالم الإمبريالي كله.
ـ أجل الإمبريالية كلها، وذلك المجنون يتحدى الإمبريالية... يتحدى العالم كله.
ـ لا تقل مجنون. هو مخدوع، مورّط به، ربما. لكن مجنون، لا.
ـ كيف لا يكون مجنوناً من يواجه قوى العالم كله الآن: أمريكا... بريطانيا... فرنسا... كندا... أستراليا...
ـ وإسرائيل.. لا تنس إسرائيل، قاطعه أبو الليل وقد مل من ذلك التعداد. إسرائيل من وراء تلك الدول كلها، معلوماتها، استطلاعاتها، تكنولوجيتها... كل ما تملكه إسرائيل تضعه تحت تصرفهم ليضربوا.
ـ ألم يعلم ذلك؟ كيف إذن يواجه ذلك العالم؟
ـ هم جروه جراً. رغماً عن أنفه أدخلوه المعركة، عصابة من الكاوبوي التقت بشاب معتد بنفسه. هو في عنفوان الشباب طالع إلى الدنيا كرمح رديني فكيف لا يعتد بنفسه؟ قال له زعيم العصابة "تعال، أشعل لي سيجاري"، "ليس لدي نار" رد الشاب وهو يحاول المرور بسلام. لكن العصابة لا تريده أن يمر بسلام، فسدت عليه الطريق. "كيف؟ ينبغي أن يكون معك نار" رد أحدهم. "أمر الزعيم يجب أن يطاع". قال آخر. "أطيعه وليس لدي ولاعة ولا كبريت؟" "أتهزأ؟ إذن خذها" وسدد الزعيم لكمة له، تفاداها الشاب بحركة بارعة متراجعاً إلى الوراء. فيما شرعت العصابة تتقدم: "دعوني وشأني. مالي ومالكم؟ أنا لم أخطئ بحق أحد منكم. دعوني وشأني". كان يصيح وهو يتراجع، فيما هي تتقدم إلى أن حشرته في الزاوية. "سنقتلك، يعني... سنقتلك" قال الزعيم وقد أحاطت به العصابة إحاطة الطوق بالعنق.
"لكن.. ماذا فعلت لكم!؟ أنا لم أسئ إليكم... لم أؤذ أحداً منكم" "ترى نفسك!؟ تعتز بكبريائك. سنلقنك درساً... سنجعلك عبرة وعظة. اركع" صرخ به الزعيم فأجفل "أركع؟ لا.... لن أركع". "بل ستركع... ستقبل حذائي". "أموت ولا أركع لأحد. أهلك ولا أقبل حذاء أحد." رد الشاب بكبريائه نفسها، وأعطى الزعيم الإشارة لينصب على الشاب وابل من لكمات... رفسات.... نطحات رؤوس، ضربات ركب، إلى أن وجد نفسه يسقط أرضاً ملء فمه الدماء... ملء جسده الجراح... ملء أوصاله الرضوض... ملء رأسه الآلام، والآلام تبرح، ثم إن اشتدت تفقد المرء الوعي.
ـ من فمك أدينك، صاح باقر وقد وجد حجة دامغة. يتكبر، ويتجبر، وهو بمفرده أمام عصابة، لماذا لم يرغ منها؟ لماذا لم يحاول حتى الهرب؟
لم يكن باقر وحده يسأل ذلك السؤال، بل كل مشفق على العراق، كل عارف للحقيقة، كل كاره للبغي والعدوان كان يسأله. مع ذلك كان يرافقه السؤال حنق وغيظ. لماذا تدمير العراق؟ لماذا إبادة الجيش العراقي؟ حرق النفط؟ تخريب الاقتصاد؟ قتل الأبرياء؟ مع التساؤلات بدأت الجماهير العربية تندفع، في أكثر من مكان راحت تحتج. مظاهرات حاشدة في الأردن، فلسطين، لبنان، ليبيا، اليمن، تونس... كلها تطالب الإمبريالية برفع يدها عن العراق. لكن صواريخ الكروز، القاذفات ب 52، طائرات الميراج، السكاي هوك، كلها صماء الآذان، لا تصلها أصوات الجماهير ولا احتجاجات العقلاء من بني البشر. كانت تنطلق من البحر، الجو، البر، من الشمال، من الجنوب، ثم تنقض على مواقع القوات العراقية في الكويت على الحدود داخل العراق، ثم تنقض على الموانئ، المطارات، القواعد العسكرية، المرافق المدنية وقد غدت كلها بلا غطاء. الدرع البشري انتهى، خلعه العراق ليصبح عاري الصدر، حاسر الرأس يتلقى الضربات الموجعة وينوح، نخيله ينوح، دجلته تنوح، فراته، كل ما فيه يتمزق شظايا ويتوجع، كل ما فيه يتفتت ذرات وينوح.
غورباتشوف يحاول حفظ بعض من ماء الوجه، فيشعل الخط الأحمر احتجاجاً،
ـ لماذا ضرب العراق نفسه؟ لماذا استهداف المدن والقرى؟ النساء والأطفال؟
ـ نحن لا نضرب المدن والقرى، يرد بوش بكل صلف الكاوبوي وغطرسته، بل مواقع صدام العسكرية، مقراته الرئاسية، نريد تحطيم رأسه فقط.
ـ التقارير تقول غير هذا
ـ الأوامر تقول هذا، لكن إن حصل خطأ، وفي المعارك تحصل أخطاء، كما تعلم، فليتحمل المسؤولية صدام.
ـ الشعب في العراق هو الذي يتحمل المسؤولية الآن يا سيدي... الشعب وحده هو الذي يقتل ويجرح والشعب بريء... أعزل... سيدي الرئيس.
ـ مرة ثانية أؤكد لك، يا صديقي غورباتشوف، شعب العراق ليس هدفنا، بل دكتاتور العراق.
لا بد من سحقه حتى العظم فلا يرتفع لديكتاتور بعد اليوم رأس.
ـ لكن سيدي الرئيس، سحق ديكتاتور لا يحتاج لسحق شعب. القضاء على ديكتاتور لا يبرر القضاء على شعب.
ـ صديقي غورباتشوف، منذ متى كنت رقيق القلب إلى هذا الحد؟
ـ ليس رقة قلب سيدي الرئيس، بل هو ماء الوجه، نحن الذين توسطنا بينكم وبينه يوم الرهائن. أتذكر يا سيدي؟ نحن الذي نقلنا له وعدكم بأن لا تقصفوا العراق، أن تعملوا على حل الأزمة بالمفاوضات... بالطرق السلمية، أنسيت يا سيدي؟
ـ لا، لا مفاوضات مع ديكتاتور معتدٍ، قاطعه الكاوبوي محتداً، وقد نسي كل ما وعد به على لسان غورباتشوف أو لسان كارتر.
ـ معتدٍ؟ كيف وهو بعيد عنكم، سيدي الرئيس؟ بين العراق وأمريكا برارٍ وبحار... محيطات وقفار، فكيف، ومتى اعتدى عليكم؟
ـ حلفاؤنا هم جزء منا. يعتدي عليهم إذن يعتدي علينا. ولقد اعتدى على الكويت.
وبدا غورباتشوف كأنما يدور في حلقة مفرغة. كانت المسألة بالنسبة إليه مسألة كرامة وشرف. في وساطته كلها كان يؤكد لبغداد أن أحداً لن يمس العراق، يداً لن تمتد إليه، لكن هاهي ذي أيدٍ طوال بعصي غليظة تمتد إلى العراق، تهبد العراق. فماذا يقول للناس؟ كيف يواجه شعبه، وفي شعبه ملايين المناصرين للعراق؟ بأي وجه يقابل العالم، والعالم يعرفه عملاقاً كانت الأرض ترتج تحت قدميه؟
كارتر نفسه كان يتساءل الأسئلة نفسها، فقد حمل لبغداد وعوداً سرعان ما تبين أنها كاذبة!؟ "هل أرسلوني واسطة ليورطوني؟ هل حملوني الوعود وهو يعلمون أنها كاذبة؟" اتصل كارتر بإمبراطور العالم، ذاك الذي يتربع على عرشه في البيت الأبيض. يريد الاحتجاج، التذكير بالوعود، لكن إمبراطور العالم مشغول. لم يعد معنياً بالرد على واحد من رعيته، ليس له سوى صوته الانتخابي. وأقفل كارتر الخط كسيراً حسيراً.
ميتران في حالة من الغيظ هو الآخر، فرنسا، أم الحضارة، تلك التي كان مهدها العراق، فكيف تؤمر طائراته الميراج بتدمير مهد الحضارة؟ لماذا يحطم العمود الفقري للعراق؟ لكي يغدو كسيحاً عاجزاً لا تقوم له قائمة؟ والأعداء؟ كيف يحطم العراق والأعداء من حوله كثر وكل يحاول نهشه من جانب؟
ـ لا، ليس من مصلحتنا تدمير مهد الحضارة! ليس من مصلحتنا إضعاف العراق إلى حد العجز؟
ـ Shutup ، مسيو متران، أجابه الكاوبوي المتمرس بأفلام الويسترن، وقد أضفى على صوته مسحة من دعابة. قلت لك ستكون لك حصة من "الطرطة"، أم تريد أن أحرمك تلك الحصة؟
وخرس ميتران وهو يتذكر كيف سال لعابه حين وعده "بالطرطة" من قبل. هو، طوال عمره، يحب "الطرطات"، وإذا ما جاءته حصته من الكعكة دون كبير عناء فلماذا يرفض؟ هو حاول لكنه أخفق، صح منه العزم لكن الدهر أبى. ثم صدام يستحق. يريد أن يحرر العرب، يوحد العرب، يجعل منهم قوة حقيقية في الجنوب تشكل الخطر الأشد على الشمال!؟ الشمال والجنوب عبر التاريخ عدوان. كم شهد البحر الأبيض المتوسط من معارك في خضمه وعلى جنباته وفيها كلها كان الشمال والجنوب عدوين لدودين، فكيف ينسى ذلك ميتران؟ لم لا يحني رأسه للعاصفة ويأخذ جائزته في النهاية؟ "العراق كعكة العالم سيقتسمها الأنكلو أمريكان فيما بينهم رضيت أم أبيت، فلم لا أرضى؟ لم لا أحالف القوي، والنصر سهل على الضعيف، فأكسب وأغنم بدلاً من أن أحالف الضعيف، والنصر مستحيل على القوي، فأخسر وأهزم"؟
ومضى ميتران إلى منتجعات "كان"، حيث شواطئ اللازورد ودفء البحر الأبيض المتوسط، فيما كانت سماء بغداد، البصرة، الموصل، تمطر حمماً من نار تنزل على الأرض فتسيل الأرض دموعاً ودماء، تتفجر حرائق ودخاناً.
حاول طارق عزيز الاتصال بكارتر "أين السلم الذي جئت تحدثنا به؟ أين الوعود بالمفاوضات والاتفاقات؟" لكن الهاتف العراقي لا يعمل. خطوطه كلها مقطوعة. وللتو، شد الرحال إلى موسكو. وفي موسكو حلفاء قلما خذلوه.
صحيح أنهم لم يرضوا عن احتلاله للكويت، لكن الصحيح أيضاً أن الأمر لا يصل بهم إلى حد الرضى عن تدمير العراق، هم الشركاء الأساسيون في بنائه. أسلحة العراق منهم... على أرضه خبراؤهم. جسوره من تصميم مهندسيهم... سدوده... معامله، كلها بالتنسيق معهم فكيف يتخلون عنه؟
ومن جديد عاد غورباتشوف إلى الخط الأحمر.
ـ طارق عزيز عندي..
ـ ماذا؟ قاطعه كاوبوي واشنطن يمتزج بدهشة الغضب. كيف جاء؟ أية ثغرة عبر؟
لكن غورباتشوف لا يعلم كيف يخبره. الرجل جاء ضيفاً فهل يسأله كيف جئت؟
كان قد سأله لماذا جئت؟ سمع صرخاته، احتجاجاً وحسب، ففي نبرته أسى موجع، وفي سيمائه مسيح آخر دقت يداه وقدماه بمسامير على الصليب.
ـ المهم سيدي الرئيس، يريد إيقاف القصف. هو يقول العراق تحول إلى جهنم...
ـ لم ير شيئاً بعد. قاطعه إمبراطور العالم نافخاً صدره شائلاً برأسه. الآتي أعظم.
ـ لكن، يمكننا حل المشكلة. صدقني سيدي الرئيس. فقط، قل لي ماذا تريد؟
وأطبق صمت على الخط الأحمر. كان إمبراطور العالم يضحك على الطرف الآخر. لو كان لدى غورباتشوف هاتف تلفزيوني لرآه وهو يكتم ضحكات كادت تنفلت وهزات من رأس يلوح يمنة ويسرة "مسكين غورباتشوف!! يريدني أن أقول له ماذا أريد من العراق!؟ ليسأل إسحق شامير.. أرئيل شارون... إسحق رابين... ماذا يريدون من العراق؟" لكن صوت غورباتشوف قطع عليه سلسلة أفكاره.
ـ ماذا سيدي الرئيس! أنت معي؟
ـ أجل، يا صديقي! صاحب البيروسترويكا المبجل!
ـ إذن، قل لي. أرجوك. ماذا تريد من العراق؟
ـ رأس صدام.
ـ أو يسلم عاقل رأسه يا سيدي؟
ـ إذن، رأس العراق.
ـ كيف، والعراق اثنان وعشرون مليون رأس!؟ أتريدها كلها يا سيدي؟
ـ أجل، برج من جماجم كبرج بابل ذاك الذي شهد عذابات اليهود. أتذكر؟ نبوخذ نصر سبى اليهود، ساقهم إلى بابل، صنع منهم عبيداً وإماء، ثم جعلهم شتاتاً في الأرض.
ـ حسن، لكن كيف أترجم هذا الكلام لطارق عزيز؟
ـ ليذهب طارق عزيز إلى الجحيم. أنا لا يعنيني رجل مثله بل لا يعنيني صدام نفسه. أريد بالضبط ما تفعله طائراتي الآن.. ما تفعله بوارجي... صواريخي، أريد مسح العراق عن وجه الأرض.
ـ هذا كلام خطير. سيدي الرئيس. سيحتج العالم كله عليك إن سمعك.
ـ وكيف سيسمعه العالم؟ سيُسمعه إياه؟ أنت، يا صديقي، صاحب البيروستريكا؟ رد الكاوبوي ساخراً سخرية التهديد من رئيس الدولة التي كانت قبل سنوات فقط أحد عملاقين يحسب له العملاق الآخر ألف حساب.
ـ لا، لن أسمعه شيئاً كهذا، لكن كرمى لصداقتنا سيدي الرئيس. من أجل محبتنا، تعاوننا الدائم، وحفظاً لماء وجهي، على الأقل، اطلب طلباً معقولاً سيدي الرئيس.
ـ حسناً!! قل لطارق الزفت ذاك، لينسحبوا من الكويت دون قيد أو شرط، وفي الحال.
وأسرع غورباتشوف يزف البشرى لضيفه الحزين على بغداد وهي تتحول ساعة بعد ساعة إلى أنقاض.
ـ ننسحب، لكن ليوقفوا القصف، كي نتمكن من الانسحاب؟
وعاد غورباتشوف إلى الخط الأحمر، يزف بشرى حسبها سارة للغاية.
ـ هم موافقون على الانسحاب، دون قيد أو شرط. فقط، أوقفوا القصف، سيدي الرئيس...
وأرتج على السيد الرئيس، إمبراطور العالم. العدو يفوت عليه فرصته التاريخية، يوافق على الانسحاب وكم يكره أن يوافق على الانسحاب!!
ـ هه!! ماذا قلت يا سيدي!! سأله غورباتشوف بكثير من اللهفة، هو الذي يريد أن يخرج بشيء من ماء الوجه.
ـ اسمع يا صديقي. إيقاف القصف صعب الآن. لا بد له من قرار. أمهلني بعض الوقت.
وأمهله غورباتشوف ساعتين. استشار فيها الإمبراطور صاحب الجلالة والمهابة مستشاريه وحلفاءه، فأرغت المرأة الحديدية في لندن وأزبدت:
ـ لن نوقف القصف حتى يلقي الجيش العراقي بأسلحته كلها. في الكويت، على الحدود، في الداخل، عليه أن يلقي بكل ما لديه من أسلحة: بدءاً من المسدس وحتى المدفع العملاق ثم يرفع كل فرد فيه الراية البيضاء فنكون على ثقة أنه الإذعان الكامل.
وفرح إمبراطور العالم أيما فرح. "عبقرية هذه المرأة الحديدية. من أين تأتي بمثل هذه الأفكار!! لقد أنقذتنا."
بعدئذٍ سارع إلى الخط الأحمر ينقل لصديقه شرطه الجديد.
ـ لكن هذا مستحيل، سيدي الرئيس، رد غورباتشوف، وقد فاجأته قسوة الشرط.
ـ لا نقاش. إما إذعان كامل أو قصف مدمر متواصل إلى أن يتحقق ذلك الإذعان.
أسقط في يد غورباتشوف، وهو يرى الطرق كلها تسد في وجهه. بغداد لا تقبل بالإذعان. هو واثق من ذلك. الاستسلام، رفع الراية البيضاء، كلمات لا تدخل في قاموس بغداد، فماذا يقول لطارق عزيز؟
بكثير من التأتأة والمأمأة، نقل غورباتشوف شروط الكاوبوي في واشنطن. للتو امتعض طارق عزيز وأربد وجهه، وبالطريقة التي وصل بها إلى موسكو عاد أدراجه إلى بغداد.
ـ هكذا!! رد حاكم بغداد وقد قدحت عيناه شرراً. يريدون منا أن نلقي أسلحتنا حيثما كنا؟ يريدون إذعاننا واستسلامنا؟ إذن، طاب الموت يا عرب!!
وهز تل أبيب دوي انفجار هائل كأنه انفجار بركان. أبنية انهارت، جدران تطايرت، غبار ثار، دخان طار، فيما أضاء ليل تل أبيب نيران حرائق اندلعت هنا وهناك. الانفجار الذي أصم الآذان أول الأمر فتح الأعين على سعتها ذهولاً ودهشة بعدئذٍ، ثم انفجرت تساؤلات واستفسارات، سرعان ما ارتدت على أعقابها جواباً واحداً شديد الهول: "صدام بدأ القصف". تلفت الكل إلى الكل وقد تسمروا في أماكنهم.
ـ معقول؟
ـ يد تطولنا؟
ـ صواريخه تدكنا؟
بدأت تساؤلات ذوي القفاطين السوداء والقلنسوات الصغيرة التي تغطي أعلى الرأس. وكانتشار النار في الهشيم، بدأ الرعب ينتشر موجاً كاسحاً جعل يهود تل أبيب أسراب عصافير جاءها باشق، وصورة واحدة أمام أعينهم: سنابك خيل نبوخذ نصر تدق أبواب أورشليم، وسبي بابل يعود من جديد.
ـ أتسبينا بابل مرة ثانية؟
ـ أهي الدياسبورا من جديد؟
وطار يهود تل أبيب، عصافير مذعورة تريد الخروج من تل أبيب. وحدها مكبرات الصوت أوقفتهم.
ـ اقصدوا الملاجئ؟
ـ انزلوا إلى الأقبية
ـ لا تتحركوا في العراء.
وازداد ذوو القفاطين والقلانس رعباً، مكبرات الصوت تحذرهم من صواريخ جديدة، من انفجارات أشد هولاً قد تقع في أية لحظة، فأسرعوا يختبئون: "تسبينا بابل... ليكن. لكن نموت؟ لا، وألف لا".
وراحت الأكتاف تزحم الأكتاف، الأقدام تطأ الأجسام، الكبار يدهسون الصغار، الصغار يزعقون مستنجدين بالكبار. فالحمر المستنفرة التي فرت من قسورة لا تعي شيئاً مما حولها، تندفع بقوة السيل، لا تميز بين طفل وشيخ، حامل ومرضعة يملأ عينيها سديم أعمى اسمه الرعب.
صاروخ آخر سقط بانفجار أشد هولاً، ثم سقط ثالث ورابع حتى بدا وكأن آلهة الحرب كلها تنقض، بكل صخبها وجلبتها، على تل أبيب.
وعلى الأثر دماء سالت، أجسام احترقت، أشلا تطايرت فيما ملأت شوارع تل أبيب صافرات إنذار، أبواق إسعاف، صرخات جرحى، زعقات نساء، وخلال دقائق تحولت تل أبيب إلى بحر صاخب الأمواج، مضطرب المياه، وقد أمسكت بها قبضة إعصار هائل يدعونه التنين.
ـ سيدي إمبراطور العالم!!! هتف إسحق شامير لسيده المتجبر المتعالي هناك في واشنطن لا تطوله يد ولا تصله صواريخ، أرأيت ما يفعل صدام؟ صواريخه تدكنا يا سيدي!! تدمر تل أبيب يا سيدي.
ـ اللعنة!! رد إمبراطور العالم وهو يشتعل غيظاً، حسبناه سيركع عند أقدامنا فإذا به يقصفنا!
ـ ماذا أفعل؟ أشر علي يا سيدي. تل أبيب تخرب. خراب الهيكل يحل من جديد. سبي بابل يعود.
2017-07-09, 06:40 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عضو من عائلة أبو هاشم بمصر
2017-07-08, 18:28 من طرف Hany
» مربعانية الشتاء
2017-07-08, 08:59 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» ونذرت شعري للمسرى
2017-07-08, 08:57 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عايد أبو فردة يشهر كتابه «ديوان السامر الفلسطيني»
2017-07-08, 08:54 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» "وادي الكلاب".. خربة لا ترى النور ---- قرية الصرة
2017-07-08, 08:26 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» طموح مواطنو قرية الصرة في دورا - الخليل
2017-07-08, 08:20 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» دعاء لشهر ذي الحجة 1437
2016-09-03, 20:29 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» صورة وجهاء عائلة أبو هاشم
2016-09-03, 19:53 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» اثناء العمل ... فارس طه ابو هاشم
2016-09-03, 19:14 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم