تصفيق حاد قطع عليه رحلة الزمن. قرب أذنه اليمنى كانت راحتا يسار تصفقان وكأنهما تتعمدان لفت سمعه وبصره. كان الفتى الأمرد ينحني للمصفقين ملوحاً بيديه كلتيهما فلم يملك باقر إلا أن يصفق وهو لا يذكر من الأغنية إلا النخيل والخد.
ـ اشرب. اشرب. كأسك ما تزال ملأى. حثه يسار وهو يرفع كأس حليب السباع ثم يدلقه دفعة واحدة في جوفه.
ـ مهلاً يا رجل. نصحه نصح اللائم. أم تريد أن أحملك على كتفي الليلة؟
ـ ستحملني فتاتي. أما أنت فما لي ومالك؟ اذهب إلى الجحيم. وقهقه يسار فرحاً بنفسه وقد بدأت حميا الراح تدغدغ تلافيف دماغه.
ـ وأين فتاتك؟ أنا لا أراها الليلة. رد باقر وهو يتلفت يمنة ويسرة في الحانة خافتة الأضواء. لكن قبل أن يجيبه يسار، ظهرت على الحلبة راقصة كستنائية الشعر بيضاء الوجه كأنما هو معجون بالحليب. ثوب رقصها ينكشف حتى مفترق الفخذين عن لحم أبيض كأنما هو الآخر معجون بالحليب. فيما بدأ صنج نحاسي مرنان يدق تحية الاستقبال، وأصوات هتاف وتصفيق أكف يرتفع من الحانة.
ـ أرأيت؟ صفصف لا تخذلني؟ هتف يسار بصاحبه وهو ما زال يصفق، بعدئذٍ استأنف واقفاً ملء طوله محيياً.
ـ إزايك صفصف؟ يا هلا صفصف.
كورت صفصف قبلة من شفتيها ثم قذفتها باتجاه يسار. ضحك باقر من يسار وهو يحاول أن يتلقى القبلة. بعدئذٍ بدأت الجوقة العزف وبدأت الراقصة الرقص.
ـ يا. يا. يقبرني الحلو. يا. يا يا يسلم لي الغزال، راح يسار يهتف بأغلظ ما يعرف من لهجة حلبية فلم يملك باقر إلا أن يضحك. يسار يعود للهجته تلك في لحظة من لحظات الانتشاء والفطرة، حيث لا مجال لتزويق أو مجاملة. ولكم يحبه باقر حين يكون في لحظات الانتشاء والفطرة تلك!! يسار يصفق وهو يتابع كل حركة من ردف وهزة من خصر، ثم يحدج أبا جوني هناك في طرف الملهى وكأنما يقول له "هو ذا الرقص. لا بقرتك الهولندية تلك" فيبتسم صاحب الحانة وتبرق عيناه كأنما يرد عليه "هي ذي الحياة. خد وعين". كان يسار مولعاً بالراقصة كستنائية الشعر بيضاء الوجه. وكان لا يقصد بيروت إلا من أجلها. باقر يعرف ذلك، بل يعرف قصتها جيداً. هو رواها له. لكنه لا يذكر منها إلا اللمام: ابنة المنصورة. زوج الأم. الاغتصاب. الهروب إلى الشارع ومن ثم الضياع.
ـ اسمع. هذه الليلة، لن تذهب بها وتتركني وحدي. اشترط عليه باقر وهما يتابعان رقصها الجميل.
ـ ماذا تريدين إذن؟ رد مكشراً ساخراً. أقضي الليل بصحبتك، أنت؟
ـ لا أدري. جئنا اثنين نذهب اثنين.
ـ بل نذهب أربعة، رد يسار وهو يغمز باتجاه فتاة في طريق الحانة الآخر، لم يكن باقر قد رآها من قبل. هي صديقتها وسنذهب معاً. هز باقر رأسه راضياً فيما كانت صفصف تدور على نفسها وقد حمي وطيس الرقص واشتد دق الدف وخشخشة الصنج وهي تلف وتدور، زوبعة صيف مجنونة ثم تفسح ما بين رجليها لتستقر على الأرض. علت موجات التصفيق والهتاف استحساناً للراقصة البارعة وهب يسار ملء طوله إعجاباً وحماسة. أسرعت صفصف بالنهوض. أرسلت قبلها إلى يسار خاصة والجمهور عامة. ثم جرت باتجاه الكواليس قطاة تدرج نحو غدير.
ـ حقاً. نساؤها لعب. قال باقر مشيراً إلى القطاة التي اختفت وراء الغدير.
ـ نساء من؟ تساءل يسار وكأنه لم يفهم.
ـ مصر. رد باقر يتوقع أن يأتيه ذلك السؤال. ألم تسمع عمرو بن العاص ما قاله فيها حين ذهب يفتحها؟
ـ لا، ماذا قال؟
ـ ترابها ذهب ونساؤها لعب ورجالها عبيد لمن غلب.
ـ يا إلهي!! كأس عمرو بن العاص!! هتف يسار وهو يرفع كأسه عالياً ثم يجرع ما فيها دفعة واحدة. ظهرت صفصف من الباب الجانبي بثوب آخر يضاهي ثوب الرقص شفافية وعرياً فعادت الأيدي تحييها، والأفواه تدعوها:
ـ صفصف!! أنت ضيفتي الليلة اعترضها أحدهم ملوحاً بيده.
ـ صفصف إلى هنا!! اعترضها ثانٍ هابا ملء طوله.
ـ بل هنا، قال آخر وقد اقتربت منه فيما امتدت يده تمسك بها ثم تسحبها. رأى يسار الحركة فهب واقفاً.
ـ دعها وشأنها أنت!! صاح بالرجل. نظر باقر فرأى قريباً منه رجلاً منتفخ الوجنات والأوداج يمسك بصفية، فيما هي نفسها تحاول التملص منه.
ـ لماذا؟ أهي زوجتك؟ أختك؟ رد البدين الأكرش وهو ما يزال متشبثاً بها، مقهقهاً أعلى قهقهة.
ـ اخرس أيها الكركدن، صاح يسار وقد قدحت عيناه شرراً. دعها قلت لك، دعها.
ـ وإن لم أدعها، ماذا تفعل؟ قال، فيما كانت الراقصة قد تملصت منه. لكنها لم تبتعد خطوة حتى زعق ملء صوته: قفي مكانك، فيما كانت يمناه تشهر مسدساً وتطلق النار. في اللحظة ذاتها انطلقت زعقة فيما شهر يسار مسدسه وأطلق النار. بعدئذٍ اختلطت طلقات من هنا، طلقات من هناك ثم اختلط الحابل بالنابل. زعقات نساء، صياح رجال، ارتطام كراس، سقوط أجسام وقد غدا العالم كله جلبة وظلاماً.
حين عاد الهدوء إلى الحانة، وجد باقر نفسه وحيداً في عمق أحشائها. هو مذ شهر يسار سلاحه، حاول إيقافه، لكن كان التيسان يتنافسان على معزاة وكلاهما تعتعه السكر فكيف يمنعهما باقر من النطاح؟ مع حلول الظلمة وجد نفسه يندفع بالغريزة بعيداً عن ساحة المعركة. في البداية فكر بالانبطاح مختبئاً تحت الطاولة، لكن الفكرة أزعجته. "أنا الفدائي المغوار، أخاف من معركة سكارى؟" لكنه عاد وأنب نفسه. "وماذا إن جاءتك رصاصة طائشة، ألا تذهب فرق عملة؟" أحس باقر بسخف الوضع كله، بسخف موته إن مات، فأسرع إلى الكواليس. تعثر في الظلمة عدة مرات، سقط عدة مرات، لكنه كان ينهض كل مرة، إلى أن وجد نفسه يلطأ صامتاً ساكناً خلف جدار لا يئز عليه رصاص ولا ترتطم به كراس.
مع اشتعال الأنوار، عرف أنها زاوية المشلح الخلفية، تلفت حوله فلم يجد أحداً. تسلل إلى الحانة من جديد، فلم يجد أحداً أيضاً. كان الكل قد ولوا الأدبار، ففي معركة الخمر خير ما تفعل هو أن تفر. كانت الحانة قد غدت محض خراب. تنين بحري مر بها فاكتسح كل شيء، قالباً مكسراً كل شيء. "يالله!! ما أفظع الإنسان!! ما أشد وحشيته!!" وبكل ذهول راح باقر يتفحص آثار التنين: طاولات مقلوبة، مشروبات مندلقة، أطعمة متناثرة، كؤوساً متشظية، ثم لم يستطع إلا أن يحزن.
ـ كله من صاحبك، ذلك اليسار الزفت. جاء صوت أبي جوني وقد ظهر من طرف الحانة القصي، مشعث الشعر، مصفر الوجه، دامع العينين. خرب بيتي!! خرب بيتي!! ثم مضى يردد العبارة إلى أن وصل إلى باقر، تسبقه شهقات كشهقات النساء.
ـ طوِّل بالك أبا جوني. بسيطة أبا جوني. حاول باقر أن يهدئه، لكن صاحب الحانة استمر ينشج ويعول.
ـ بسيطة!! أطول بالي، كيف، وحانتي خربت؟ بيتي انهدم. ظهري انكسر. الله يخرب بيتك يا يسار!! الله يخرب بيتك!! عاد للترداد ناظراً إلي حيث كان يجلس وكأنه يخاطبه. أدرك باقر أن مصاب الرجل أكبر من أن يستطيع تهدئته فغمغم بشيء من مواساة، واضعاً بضع أوراق نقدية في يد الرجل المنكوب ثم أسرع خارجاً لا يلوي على شيء.
شارع الحمراء مقفر إلا من كلب ضال أو قطة جائعة تبحث في أكياس القمامة عن طعام. "إيه!! سقى الله أيامك يا شارع الحمراء!! يوم كنت تصل الليل بالنهار فلا تنام أبداً!!" راح باقر يسير الهوينى وهو يقلب نظره بين يمين الشارع ويساره. كانت آثار الرصاص وشظايا القنابل ما تزال تشم جدران الأبنية، وكانت دوريات الجند اللبنانية السورية تعبر الشارع بين الفينة والفينة، ترصد وفوهات بنادقها مشرعة، ترصد وحراب بنادقها لامعة. "أين الناس؟ الساعة ما تزال الواحدة لكن لا أحد".
خمس عشرة سنة من الحرب كانت قد علمت الناس ألا يخرجوا إلى الشوارع في الليل فمأمن الإنسان مسكنه. في الخارج يكمن الخطر، تلطأ المخبآت ولا يدري المرء متى ترفع رأسها من مكمنها إحدى تلك المخبآت. "يسار نفسه أين؟ صفصف؟ رواد الحانة!! بهذه السرعة افرنقعوا؟ ذرات ملح ذابت" ولم يستطع باقر منع شعور بالخيبة من التسلل إلى نفسه. "سنذهب نحن الأربعة" كان يسار قد قال له، لكن هاهو ذا يذهب وحيداً مفرداً كنصل السيف، بارداً مقشعر الجلد رغم حرارة آب وبحر بيروت القريب، وهو يرقد ساكناً دافئاً قطاً أليفاً بجانب موقد. "المنحوس منحوس ولو ركبوا على رأسه فانوس"، ولم يملك باقر إلا أن يبتسم.
كانت الليلة قد بدأت ميسرة طيبة وكان الوعد بأن يذهبوا هم الأربعة قد أرخى جملة أعصابه. هو بحاجة إلى المرأة، كل ما فيه متوتر مشدود كأوتار ربابة في ليل كانوني، ولا ترخي الأوتار إلا الشمس والدفء. "أكان على ذلك الكركدن أن يعترض طريق صفصف؟ بيده حق يسار. تحرش مباشر وتعد فاضح، فكيف يقبل به يسار؟ بل كيف أرضى أنا نفسي به؟" صفية صديقة صديقه، بل هي، بشكل من الأشكال صديقته أيضاً ومن الواجب على الصديق أن يهب لنجدة صديقه. يسار لم يخطئ في وصف ذلك الأكرش البدين ذي العنق الغليظ بالكركدن. هو كركدن حقاً. أضاع فرصة من فرص العمر. ربما لولاه لكان الآن في أحضان سوسو أو لولو. هو لا يعرف اسمها، صديقة صفصف تلك. لكنها امرأة على أية حال، وهو يموت شوقاً للمرأة. ثلاثة وأربعون يوماً كانت قد مرت عليه مذ التقى بآخر امرأة، والرجل خلق للمرأة. حاجته هي الأشد لها، لكنه النحس يقف دائماً بالمرصاد. ثلاث مرات حاول الخروج من المعسكر خلال الأيام الثلاثة والأربعين تلك، لكنه لم يستطع. ثمة دائماً قصف إسرائيلي، استنفار، استطلاع، وفكرة قلعة الشقيف التي تمكنت منه وقد سمع حكاية الممر. أراد أن يتعرف بنفسه إلى المنطقة، أن يذهب إلى النهر، يتسلق سفح القلعة، لكنه لم يستطع الاقتراب. وحده، كانت مجازفة والمجازفة خطر، وهو لا يريد أن يعرض نفسه للخطر. ثمة مهمة، ومهمة رائعة إن استطاع تنفيذها ضرب ضربة العمر. طوال سبعة أيام ظل في الهضاب وبين الوديان هناك. عبر أحراش جزين وبساتين مرج عيون، التقى بمقاتلين، تعرف إلى سكان قرى طيبين. سأل، استطلع ونصب عينيه هدف واحد: أن يغير على قلعة الشقيف. لكن هاهي الأوامر العليا تأتي بإيقاف الغارات، بمنع العمليات. وهاهي ذي الكارثة تكتمل بمقتل شوقي. رفيق الدرب والفداء. شارداً كان باقر يمشي، دونما وجهة، دونما هدف. "لكأنني واحد من كلاب الشارع الضالة أو قططه الشاردة".
كانت تجربته مع التشرد طويلة، بل هي أطول مما يتذكر. صور كثيرة مرت في ذهنه وهو في بغداد، دمشق، عمان، موسكو، صوفيا، تضج كلها بالتشرد. وحدها البصرة كانت مختلفة. باقر يتذكر جيداً ذلك الشعور. "البصرة لي وأنا لها عاشق ومعشوق، ساكن ومسكون". هو يتذكر كيف كان يسير على أرصفتها بمتعة لا تفوقها متعة، ضربه في طرقها، تنزهه في جنانها لا علاقة له بالتشرد. لكأن كل شارع فيها، كل ذرة تراب، كل قطرة ماء، كل نخلة له هو وحده. "آه!! لك الله يا مسقط الرأس ومرتع الصبا!! وحدك تعطينا الشعور بالأمان!!".
هو مذ غادر البصرة تملكه شعور التشرد والشتات. وحيثما ذهب لم يجد إلا المشردين المشتتين. بعضهم مثله، بعضهم أشد سوءاً، بعضهم اقل، لكن شعوراً واحداً كان يجمعهم: التشرد والشتات، وكان باقر لا يفتأ يشفق على نفسه وعليهم!! "مشردون، أبداً، مشتتون". المشرد يسير في شارع الحمراء وحيداً مفرداً كعهده، مذ غادر البصرة. يسار خذله، صفية خذلته، العالم كله خذله. هو ضائع بارد، ذرة ثلج في مهب ريح.
"أين أذهب؟" تساءل بصوت عالٍ وكأنما يود أن تسمعه النوافذ، الأبواب، الجدران، فيجيبه أحدها، لكن أحداً لم يجبه. كانت بيروت ساكنةً جمراً تحت رماد، وكانت بيوتها متكومة على نفسها منطوية، تكره الغرباء، وباقر غريب مشرد لا أهل ولا سكن، فأين يذهب؟
ـ من الطارق؟ جاءه صوت أجش خرج لتوه من بحر النوم.
ـ أنا باقر. افتح همام. رد الطارق وقد كلَّ من قرع الجرس وطرق الباب، فهمام وحيد ونومه ثقيل. باقر يعرفه، لكنه مضطر وللضرورات أحكام. بيت همام هو الأقرب ومفرشه الأطيب، فتوجه إليه يقرع الجرس حتى كاد يقنط. في تلك اللحظة فقط رد همام.
ـ باقر، اللعنة!! أتعرف كم الساعة الآن!؟ قال وهو يفتح الباب.
ـ تباً لك وللساعة!؟ رد باقر بنبرة عاتبة مازحة. منذ متى كنت تهتم بالساعة؟
ـ مذ حلت عليك اللعنة وصرت كلباً ضالاً!! رد، وقد صارا كلاهما داخل المنزل وأغلق همام الباب، أجفانه تطرف في محاولة لاتقاء النور الباهر بعد الظلمة وخفاه يسحنان البلاط وهو يجر قدميه جراً.
ـ أتسبني يـ... بدأ باقر لاكزاً إياه.
ـ وكيف يهنأ لي عيش إن لم أسبك وأشتمك؟ قاطعه همام مازحاً، ملعون الوالدين!! كيف تأتيني في مثل هذا الوقت؟
ـ ويحك!! عربي قح من الحجاز بل من مدينة رسول الله ذاتها وتنهر الأضياف!؟ لا، لقد أفسدتك بيروت. ها أنذا عائد. رد باقر بمزيج من المزاح والجد، وهو يدور على عقبيه مهدداً بالعودة من حيث أتى. تركه همام يسير بضع خطوات، بل تركه يمد يده إلى مقبض الباب ثم بوثبة هر صار بينه وبين الباب. قبلة على هذا الخد ثم قبلة على ذاك وعاد الصديقان إلى غرفة الضيوف.
ـ يا مرحبا!! يا مرحبا!! راح لسانه يلهج بترحيب متواصل، حاتماً طائياً يستقبل ضيفاً. باقر في بيتنا. يا مرحبا!! يا مرحبا!! اطفوا نور الكهربا!!،.
ـ تعلم؟ لست حلواً إلا هكذا. قال باقر وهو يجلس على أقرب ديوان في غرفة القعود.
ـ أكيد. لكن أنت تنسى دائماً أنك في بيروت، وأنها ما تزال تضمد جراحها. أية حركة تنكأ جراحها تلك. أية رصاصة تنخلع لها القلوب. أية رنة جرس في مثل هذا الليل تجعلك ترتجف. ولم يتابعه باقر. كان قد عاد قليلاً إلى الوراء والكركدن يطلق رصاصته الأولى ليرد عليه يسار فيتحول الناس جميعاً إلى إوز مذعور يلوذ بالطيران. بعضهم طار من الباب الأمامي. بعضهم من الباب الخلفي... الشبابيك.. الكوى... بل من يعلم كيف طاروا وقد اختلط الحابل بالنابل ولف الظلام كل شيء!!
ـ هه. ماذا؟ أنا أتكلم مع أبي الهول؟ سأله همام لاكزاً إياه على حين غرة، فأجفل مرتداً إلى الوراء حصاناً شم رائحة ضبع.
ـ حقك علي، بدأ باقر اعتذاره وقد أحس بآثار رعب تلون صوت صديقه وعينيه. كنت على مقربة من هنا وحسبت أنك ما تزال مستيقظاً.
ـ مستيقظ!؟ هكذا، وأنا وحدي بلا زوج؟ بلا صديقة؟ بلا تلفزيون؟ أم تحسب أن الكهرباء تأتينا أربعة وعشرين ساعة في الأربع والعشرين ساعة؟
ـ لا تؤاخذني. رد باقر هازاً رأسه ساخراً. ظننت أن ثرياً مثلك يملك كل وسائل الترفيه. بل ربما لديه محطة كهربائية لحسابه.
ـ هذا لو كنت ثرياً، لكنك تعلم أنني لست كذلك. وشرد باقر إلى البعيد. همام، مذ تعرف إليه قبل سنوات أربع، لم يتغير ولم يتبدل. "أنا مشرد مشتت مسلوب منهوب" كان يقول دائماً. "لا يملك إلا غربته وضياعه حتى هويته أضاعها، حتى انتماؤه قضى نحبه، لم لا والانتماء يكون لوطن، لأرض وأنا بلا وطن أو أرض؟"
"ذلك صحيح": كان باقر يثني على كلامه. لكن من تراه يسمع الصحيح؟ من يبحث عن الحقيقة، والحقائق تضيع تحت سنابك الباطل والزور؟ همام متمسك بالحقيقة رافض للباطل، ولأنه كذلك غادر مدينة رسول الله دون أن يدري إلى أين. كان همه كله أن يرحل. "لم أعد أستطيع التحمل. كل ما أراه شوك يخز عيني" ورحل إلى عمان، لكن عمان قريبة، آفاقها محدودة وهو يريد الطيران، التحليق عالياً في سماء لا تطوله بها يد، فعاد يشد الرحال: إلى صنعاء فالقاهرة، ثم طرابلس فالجزائر ليحط رحاله أخيراً في بيروت قبل أن تكتسح الحرب الأهلية بيروت.
2017-07-09, 06:40 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عضو من عائلة أبو هاشم بمصر
2017-07-08, 18:28 من طرف Hany
» مربعانية الشتاء
2017-07-08, 08:59 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» ونذرت شعري للمسرى
2017-07-08, 08:57 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عايد أبو فردة يشهر كتابه «ديوان السامر الفلسطيني»
2017-07-08, 08:54 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» "وادي الكلاب".. خربة لا ترى النور ---- قرية الصرة
2017-07-08, 08:26 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» طموح مواطنو قرية الصرة في دورا - الخليل
2017-07-08, 08:20 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» دعاء لشهر ذي الحجة 1437
2016-09-03, 20:29 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» صورة وجهاء عائلة أبو هاشم
2016-09-03, 19:53 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» اثناء العمل ... فارس طه ابو هاشم
2016-09-03, 19:14 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم