ـ الأمريكان يستعدون العالم كله عليكم، يقيمون التحالفات، يحرضون الدول كلها على محاربتكم!!
ـ لن يخيفنا الأمريكان!! فيتنام هزمتهم بالأمس والعراق ليس أقل قوة ومضاء من فيتنام.
ـ الظروف اختلفت سيدي الرئيس. يومذاك كانت أمريكا دولة واحدة تعتدي وكان هناك قطب ثان في العالم. أما اليوم فهناك ثلاثون دولة تساند أمريكا وليس هناك قطب ثان في العالم.
ـ أنت فقط قل للعرب: ابتعدوا، لا تحالفوا الأعداء وأنا كفيل بالتصدي للأمريكان.
ـ العرب أنفسهم يريدونك أن تنسحب.
ـ هم أتباع لأمريكا، يرددون ما تقوله لهم، وإلا كيف يقلبون مقولة العرب "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً".
ـ لست أنا من يملك الجواب يا سيدي. لكن أرجوك. لا تعطِ ذريعة للأمريكان يدمرون بها العراق؟ يهدمون كل ما بنيت فيه؟
ـ الأمريكان يريدون تدمير العراق بذريعة أو بغير ذريعة. أتذكر ما فعلت إسرائيل بمفاعلنا النووي ما إن نشبت الحرب بيننا وبين إيران؟ أتذكر ما قاله إسحق رابين ما إن انتهت الحرب بيننا وبين إيران؟ رئيس الجامعة العربية يذكر، فرئيس الوزراء الإسرائيلي يومذاك كان واضحاً وضوح الشمس "الجيش العراقي اليوم قوي يهدد التوازن الاستراتيجي ويشكل خطراً علينا، إذن لا بد من القضاء عليه. مع ذلك، يقول عصمت عبد المجيد:
ـ سيدي الرئيس، نحن نعلم أن ذلك ما تهدف له إسرائيل وما تخطط له أمريكا: ضرب الجيش العراقي، تدمير الصناعة العراقية، إيقاف قطار التقدم العراقي، لهذا ينبغي أن نفوت عليهم ا لفرصة، أن نضحي بالجزء من أجل الكل، نقدم الكويت قرباناً لسلامة العراق.
ـ لينسحبوا من الخليج، أنسحب من الكويت. ليرفعوا أيديهم عن المنطقة، أرفع يدي عن الكويت. واعتبر رئيس الجامعة ذلك بشرى سارة نقلها لزعماء العرب، لجورج بوش، لمارغريت تاتشر.
ـ وافق صدام على الانسحاب من الكويت، فقط انسحبوا أنتم. لكن ماغي كشرت عن أنيابها تكشيرة صفراء:
ـ نصدقه؟ كيف وهو ما يزال يحتجز رهائننا الأطفال الأبرياء والمدنيين العزل؟ فيما صرخ كاوبوي واشنطن غاضباً:
ـ بلا شروط، عليه أن يحرر الرهائن وينسحب من الكويت بلا شروط. صاغراً ذليلاً عليه أن يفعل ذلك.
وجاء دور الفرنسيين. الفرنسيون معنيون: ثمة فرنسيون وفرنسيات في الأسر، رهائن لدى صدام فلماذا لا تتوسط؟ حركة فرنسا أسهل وقدرتها على الإقناع أكبر. وأوشكت وساطة ميتران أن تفلح. بل جاءت لحظة أوعز فيها لطائرته بالاستعداد للطيران إلى بغداد، لكن الكاوبوي زأر وهدر:
ـ قف. حركة واحدة وأطلق النار.
وتسمر ميتران مذهولاً في البدء، أخيراً نطق:
ـ لكن، لماذا سيدي الرئيس. الرجل وافق على الانسحاب من الكويت وتحرير الرهائن. فقط نرفع الحصار عنه وننسحب من الخليج.
ـ اسكت، ولك حصتك من "الطرطة". رد إمبراطور العالم بقدر غير قليل من الغطرسة. وسكت ميتران وقد سال لعابه لذكر "الطرطة". لكن غورباتشوف لم يسكت. "مطلب بغداد عادل: ينسحبون ينسحب، يفكون الحصار يفك الحصار". ومضى غورباتشوف بنفسه إلى كاوبوي العالم. هو يريد أن يحفظ ماء وجهه، فلا يبدو مجرد كم مهمل في العالم. السوفييت ما زالوا يحلمون بالحد من هيمنة أمريكا، بالتخفيف من قبضة الغرب على الخليج، تلك الجزيرة العائمة على بحر من النفط.
ـ أسفي عليك يا صديقي، رد بوش على اقتراح غورباتشوف. طاغية باغية معتد آثم ونذعن لشروطه؟ لا، لا، هو الذي ينبغي أن ينفذ أوامرنا، هو الذي ينبغي أن يذعن.
ـ لكن تصعيد الأزمة قد يوصل العالم إلى حرب والحرب، كما تعلم، مدمرة سيدي الرئيس. الحرب كلها ويلات وأهوال.
ـ تنوي أنت أن تحاربنا، صديقي غورباتشوف؟
ـ معاذ الله، سيدي الرئيس. نحن معاً، حليفان ما عشت.
ـ ها! هاّ إذن لا تخش الحرب. الحرب ويلات وأهوال حين تكون بين كبار أقوياء، لكن حين تكون بين كبير عملاق وصغير ضعيف، فما الخطر منها؟ ظل أنت بعيداً وانظر كيف سأنزل عقاباً لا نظير له بصدام. قسماً لأسحقنه سحق القملة!!
ـ لكن لماذا يا سيدي، إن كان قد وافق على تحرير الرهائن؟ وافق على الانسحاب؟
ـ دون قيد أو شرط. قل له: ينسحب، يحرر الرهائن دون أن يطالبنا بشيء دون أن يفتح فمه بكلمة. خانعاً، خاضعاً، لكل ما نفعله في الخليج.
وطلع الصباح، فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح. وقت جورج بوش ضيق لا يسمح له بمزيد من النقاش، لكن وقت الروس يسمح. وساطتهم يجب أن تسفر عن شيء. العراق حليف وعليهم أن يدافعوا عن الحليف، فليضغطوا عليه طالما لا يستطيعون الضغط على الأمريكان.
ـ لن نستطيع مساعدتكم!! قال بريماكوف المبعوث الروسي الذي يحب بغداد ويتعاطف مع مطالب بغداد. لن نستطيع الوقوف في وجه الأنكلو أمريكان. وضعنا لا يسمح بالتدخل، وأمريكا تجند العالم كله ضدكم.
ـ هي تريد إذعاننا، تركيعنا، رد طارق عزيز، الناطق باسم بغداد، ونحن لن نذعن، لن نركع.
ـ الإذعان خير من الإبادة. إنه أهون الشرين.
ـ بل نموت ولا نذعن. إنها معركة وجود: نكون أو لا نكون، ومن مصلحتكم أنتم أن نكون.
ـ صحيح، لكن..
ـ لا، لا تقل لكن. بغداد تريد إنهاء الوجود الاستعماري في الخليج تريد تحرير المنطقة من قبضة الأنكلو أمريكان، تخليص النفط من ربقة عبوديتهم، ألا يصب هذا كله في مصلحتكم؟
ـ أجل صحيح لكنها معركة خاسرة. قال بريماكوف، المفاوض العنيد، أمريكا تزج بقوى العالم كلها ضدكم وأنتم وحيدون.
ـ لا، لا تخطئ. نحن لسنا وحيدين. الشارع العربي معنا. الأمة العربية كلها من ورائنا، ونحن نراهن على هذه الأمة: نحيا بها أو نموت.
ولم تتزحزح بغداد قيد أنملة، فعاد بريماكوف عله يلين من موقف الأنكلو أمريكان، فيما كان الشارع العربي يتربص ويرقب. أبو الليل مع بغداد يراهن على الشارع العربي، لكن يساراً يضحك:
ـ وماذا باستطاعته أن يفعل، الشارع العربي؟ تساءل وقد جلسوا ثلاثتهم إلى طاولة الغداء.
ـ الكثير، الكثير، رد أبو الليل، لكن باقراً هز رأسه.
ـ لا، يا صاحبي! الشارع العربي مغيَّب، كم مهمل من كل حساب. ما يدخل في الحساب فقط هو الجيوش، الأنظمة العربية، والأنظمة العربية كلها مع الأمريكان، بل إن قواتها بدأت تزحف مع الزاحفين لنهش العراق.
ـ مستحيل، أنا لا أصدق، رد أبو الليل ملوحاً برأسه نافياً. هذا حلف إمبريالي صهيوني. فكيف يكون معه العرب؟
ـ صدق أو لا تصدق، رد يسار، لكن اعلم أن التابع لا يناقش متبوعه في ما يأمره، بل هو ينفذ وحسب.
ـ وهل سيسكت الشارع إن جد الجد؟ هو يغلي الآن فماذا يجري إن وقعت الواقعة ورأى حراب العرب تسدد إلى صدور العرب، ألن ينتفض؟ ألن يزلزل الأرض؟
ـ أنت متفائل كثيراً يا صديقي. الشارع مغلوب على أمره. هو قد يطلق الزفرات، يئن، يبكي، لكنه لن يفعل أكثر من ذلك، ففي كل بلد عربي قبضة من حديد تعرف جيداً كيف تكتم الأنفاس. ولم يعلق باقر. كان قد أصبح في حالة من الحيرة لا يحسد عليها. يريد إسقاط النظام في العراق لكنه يموت خوفاً على العراق. لا يرغب بشيء في الدنيا كالانتقام من صدام وفي الوقت نفسه يرى الخطر المحدق بالوطن. فماذا يقول؟ المأزق صعب والخيار أصعب. يسمع إذاعات الأنكلو أمريكان فيميل باتجاه الأنكلو أمريكان، تتملكه الحماسة لسحق صدام ونظام صدام. لكن ما أن يعود إلى نفسه حتى يتصور البصرة وهي خراب، خرابها أيام الزنج، فيرتد كسيراً حسيراً، خائفاً مذعوراً. احتجاز الرهائن أفرحه. إحساس بالطمأنينة سرى في نفسه. "طالما الرهائن في العراق لن يجرؤوا على ضربه!، الأمر الذي أكده له نمر وقد عاد لتوه من الأردن، ناقلاً لهم أخباراً مفرحة عن الشارع هناك، عن الشارع الفلسطيني، وهو يقف صفاً واحداً خلف العراق.
ـ ضربة معلم: احتجاز الرهائن. فكرة عبقرية!! ثنى أبو ا لليل المعجب كل الإعجاب بحركة الرهائن.
ـ بل، فكرة مجنونة، رد يسار بكل سخرية، لا تخرج إلا من رأس مجنون.
ـ يا رجل!! يا رجل!! مالك، لا يعجبك العجب ولا الصيام في رجب؟
ـ وكيف يعجبني، وصدام يسيء لسمعة العرب؟ يشوه صورتهم.
ـ أتشويه صورة أن يحاول المرء حماية وطنه؟
ـ بالبشر؟
ـ وهل يوفر العدو شيئاً؟ هل يدع وسيلة لا يستخدمها لذبحك وسلخ جلدك؟ إذن. لماذا لا ترد عليه بالمثل؟ لماذا لا تستخدم كل وسيلة يمكنها أن تحميك؟
ـ الغاية لا تبرر الوسيلة.
ـ كيف إذن تبرر لهم حصار العراق؟ حظر نفطه؟ قطع موارد رزقه؟ تجويع نسائه؟ قتل أطفاله؟
ـ مع ذلك لا أستخدم النساء والأطفال درعاً بشرياً أحتمي به.
كان الجدل بين يسار وأبي الليل لا ينتهي. وكانت قضية العراق والكويت هي الشغل الشاغل ليس للخلية الفدائية وحسب، بل للعالم أجمع. ستة آلاف أجنبي كانت بغداد قد وضعت يدها عليهم: نساء، أطفال، رجال، ومن بلدان عدتها بغداد دول بغي وعدوان. ضربة مفاجئة ذهل لها الغرب كله. كما ذهل حين بسط العراق سيطرته على الكويت بأربع ساعات. أياماً عدة ظل العالم كله مذهولاً وأياماً وأسابيع ظل يرسل الوسطاء والموفدين، لكن بغداد تعرف ما تريد: "ارفعوا أيديكم عن العراق نرفع أيدينا عن الرهائن".
تاتشر يجن جنونها، تهدد، تتوعد لكن بغداد لا ترد. ما تقوله فقط "نحن نحترم حياة كل إنسان، لا نريد إيذاء أحد، لكننا نريد حماية أنفسنا". ووزعت بغداد الآلاف الستة على القواعد والمطارات، المواقع المستهدفة والمقرات الهامة، بل حتى على المدن والقرى، "لتضرب أمريكا الآن، إذن ستضرب رعاياها". وصعقت أمريكا. "من أين يأتي حكام بغداد بأفكار كهذه؟ الشياطين وحدها تأتي بمثل تلك الأفكار". وتضحك بغداد وهي تشعر بالطمأنينة. الأنكلو أمريكان لن يعرضوا أبناء جلدتهم للخطر، لن يضحوا بإنسانهم، أياً كان، أو انقلبت الدنيا على رؤوسهم مظاهرات واحتجاجات.
جورج بوش حائر، قلق، يريد أن يتحرك لكنه لا يستطيع. القيود في يديه، في رجليه، فماذا يفعل؟ أمراء الخليج، ملوكه كلهم يضغطون. "اضرب سيدي الرئيس، حرر الكويت سيدي الرئيس". السيد الرئيس لا يضرب ولا يحرر. خطته اكتملت، قواته صارت في الخليج، بوارجه في مياهه، طائراته، صواريخه، كلها جاهزة للضرب، مع ذلك يشعر أنه مكبل اليدين والرجلين، فقط هو يصرخ من غربي المحيط:
ـ عزيزتي ماغي! أشيري علي، أوجدي لي المخرج. وترد العجوز الشمطاء من شرقي المحيط حائرة مثله، تبحث عن مخرج لكن دون أن تجد المخرج.
ـ المرحلة الثانية يجب أن تبدأ، يلح الكاوبوي الحائر مكبل اليدين والرجلين.
ـ أعلم، أعلم، لكن كيف نضرب ورعايانا هناك؟
ـ هي ذي المشكلة. رعيتنا غالية. أمريكي واحد بشعب العراق كله، بل بالعرب جميعاً.
ـ وجدتها! وجدتها! صرخت المرأة الحديدية كما صرخ أرخميدس قبلها بقرون وقرون.
ـ ماذا؟ قولي، ما الذي وجدته؟
ـ النخوة والمروءة.
ـ لم أفهم. ماذا تقصدين؟ سأل الكاوبوي الذي لم تدخل مصطلحات كهذه قاموسه قط.
ـ العرب مشهورون بالنخوة والمروءة وصدام عربي، إذن لماذا لا نحرك نخوته؟ لماذا لا نستثير مروءته؟
ـ أجل، هي ذي الفكرة، هو ذا الحل.
ومع تباشير الفجر كانت طائرة بوينغ تنقل كارتر إلى بغداد، مجرد وسيط خير، لم يكن يوماً رأس أمريكا ولا رأس الشيطان، بل إنسان وديع ودود لا يسعى إلا من أجل الخير. عزف كارتر على وتر النخوة، أثار الحمية وحرض المروءة: ـ "أيعقل؟ رجل عظيم مثلك. إنسان فذ على غرارك. عربي كله نخوة ومروءة يتدرع بالنساء والأطفال؟".
وبدافع النخوة والمروءة أطلق صدام النساء من الرهائن والأطفال، فصفقت تاتشر ورقص بوش، لكن باقراً أجفل. قدر كبير من الخوف تملكه "ما الذي فعله صدام؟ كيف يلقي بدرعه البشري أرضاً؟ ألم تستطع بغداد حماية نفسها بذلك الدرع؟ إذن كيف تتخلى عنه؟ ذلك الخوف تحول إلى هاجس "ترى كيف يعيش العراق؟ أهلي، أمي، أخوتي، كيف يعيشون الآن. ماذا سيحدث لهم؟" كان الشتاء قد جاء، والشتاء ليس كالصيف، بساطه ضيق، فكيف إن كان هناك حصار؟ وشد باقر الرحال، "سأكلم أحداً منهم. أريد أن أطمئن. بأي شكل أريد أن أطفئ النار هنا". ودق على صدره وهو يودع صحبه في المعسكر إلى عمان.
باقر يعرف عمان جيداً. مذ فر إلى دمشق أول مرة بعثته الجبهة إلى عمان. هو العراقي الذي لا يضع عليه النظام الملكي إشارة حمراء. على ظهور الفلسطينيين كلهم إشارة حمراء، تمنع دخول هذا، تهدد بالخطر ذاك، تسجن، تنفي، تعذب، تضرب. أما العراقيون فلا إشارات ولا محظورات. طوال سنوات ظل باقر يدخل، يخرج، يأخذ تعليمات، يأتي بأخبار، يعقد صلات ويقيم صداقات. لبانة أعز تلك الصداقات، جاذبيتها هي الأقوى فمضى إليها باقر وفي يده وردة حمراء.
ـ باقر!
ـ لبانة! تبادل الصديقان الهتاف وقد فتحت له الباب. منذ سنة ونيف لم تكن لبانة قد رأته.
ـ أنا مشوق إليك.
ـ أنا مشوقة أكثر، تحدثا وهما يسيران إلى غرفة الجلوس، تلك التي يعرفها باقر جيداً. هي هي مذ عرف باقر لبانة قبل سنين. في أحد المهرجانات تعرف إليها. هي مناصرة للمقاومة، تشارك في جمع التبرعات لها، توزيع بياناتها، نشر طروحاتها وأفكارها. وأعجب بها باقر: فتاة سمراء، وجه عربي، عينان عربيتان، كأنهما من نخيل العراق. شعر أسود منسدل كأنه سعف النخيل في العراق. متوسطة القامة، ممتلئة الجسم. كذلك النموذج الذي يحبه رجال العراق. تحدثت إليه فأعجبته أكثر وتحدث إليها فأنتش إعجابها به وتبرعم. كانت لبانة قد تزوجت ذات يوم لكن دون أن تجد في برميل زواجها لحسة من عسل. برميلاً خالصاً من الزفت كان زواجها فألقت به في القمامة لتنطلق حرة كشعاع الشمس. هي تؤمن بالحرية، كل ما يشغلها أن تعيش تلك الحرية. قيود المجتمع، تقاليده، أعرافه، كلها في منأى عنها. أخوها الوحيد في الخليج يسعى هناك في مناكبها، أختاها في أمريكا تزوجاتا مذ جاءهما اثنان من مواطنيهما أغرتهما حضارة الكاوبوي فظلا هناك يستمتعان بلذائذ الكاوبوي: الكوكاكولا والهامبرغر والهوت دوغ.
أمها كانت معها لكن منذ سنتين فقط قضت العجوز نحبها فظلت لبانة وحيدة إلا من نفسها، حرة إلا من جلدها ذاك الذي تود أن تخلعه. لبانة واضحة، تعرف ما تريد ولا تتردد في نيل ما تريد. هي تعمل في أحد مصارف عمان. دخلها يسمح لها بالاستقلال، ليست بحاجة لأخ ولا أخت، فلماذا لا تعيش حياتها كما تشتهي؟ ذات مرة بلغ بها حبها للمقاومة أن تركت كل شيء خلفها ومضت إلى أحد المخيمات تتدرب على فنون القتال، لكن ممارسات هناك نفرتها. المسؤول عن القاعدة يتقرب، المدرب يتودد. الزميل يعرض نفسه، بل لقد حاول أحدهم اغتصابها عنوة فتركت كل شيء وعادت إلى مصرفها سالمة.
"أنا بحاجة إلى الرجل أقضي وطري منه، إذن أنا أختار الرجل"، قالت لباقر ذات يوم "لا الرجل يختارني، أو بالأحرى يفرض نفسه علي. أنا أكره القسر، الإرغام. احب الحرية، الحرية". ولأنها تكره القسر والإرغام وتحب الحرية الحرية، نشأت صداقة حميمة بينهما. فكلما جاء إلى عمان جاء إلى لبانة. يمضيان أياماً ثم يمضي كل في سبيله. لا التزام ولا فروض. هو يرغب بها. هي ترغب به. إذن لم لا يستمتعان؟ ولم تمهله لبانة، وهو يتجه إلى غرفة الجلوس، أن يجلس. بل دفعته إلى العمق، وفي العمق مخدع النوم. كانت تلبس ثوباً قصيراً يكشف عن الصدر حتى الثديين وعن الرجلين حتى أعلى الفخذين، وكان الثوب شفافاً، فضفاضاً، مجرد علاقتين واهيتين تربطانه بالكتف. احتضنها بكل الشوق الذي يحمله للمرأة، هو البعيد عن النساء، آخذاً شفتيها بشفتيه بكل العنف والقوة اللذين يحملهما رجال العراق، شاداً إياها إليه حتى العظم. انشدت لبانة، وحرارة جسده تذيبها، قوة ذراعيه ترخي علاقتي الثوب فيتحلل عن الكتفين ثم يسقط على الركبتين فالأرض لتبدو حواء بغير ورقة توت. حملها بذراعيه، شفتاها في شفتيه وذراعاها حول كتفيه، ثم أسرع بها إلى الفراش وحتى الصباح ظلا آدم وحواء وقد التقيا أول مرة عند جبل عرفات: هو آت من بلاد إرم وهي من جزيرة سرنديب.
في الصباح فقط، أبصر باقر الهاتف بجانب السرير فأدرك أنه نسي الهاجس الذي جاء من أجله. كانت لبانة ما تزال نائمة، فحمل جهاز الاتصال ومضى إلى الغرفة الأخرى يدق رقماً في بغداد. جاء صوت الأخت منادياً بالاسم الذي كان يحبه كثيراً ثم خلفه وراءه كما خلف كل شيء في العراق يوم فر إلا من جلده.
ـ أختي فاطمة.
ـ أخي ناصر!! كم أنا فرحة بك!! كم أنا سعيدة لسماع صوتك.
بعدئذٍ تبادلا التحيات، الأشواق، ثم بدأت السين والجيم. عشرات الأسئلة سألت. رشاً ودراكاً سأل لكن لشد ما صدم حين قالت له:
2017-07-09, 06:40 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عضو من عائلة أبو هاشم بمصر
2017-07-08, 18:28 من طرف Hany
» مربعانية الشتاء
2017-07-08, 08:59 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» ونذرت شعري للمسرى
2017-07-08, 08:57 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عايد أبو فردة يشهر كتابه «ديوان السامر الفلسطيني»
2017-07-08, 08:54 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» "وادي الكلاب".. خربة لا ترى النور ---- قرية الصرة
2017-07-08, 08:26 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» طموح مواطنو قرية الصرة في دورا - الخليل
2017-07-08, 08:20 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» دعاء لشهر ذي الحجة 1437
2016-09-03, 20:29 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» صورة وجهاء عائلة أبو هاشم
2016-09-03, 19:53 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» اثناء العمل ... فارس طه ابو هاشم
2016-09-03, 19:14 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم