دور الإسلام في معالجة الفقر
أعلن الإسلام الحرب على الفقر، وشدد عليه الحصار، وقعد له كل مرصد، درءا للخطر عن العقيدة، وعن الأخلاق والسلوك، وحفظا للأسرة، وصيانة للمجتمع، وعملا على استقراره وتماسكه، وسيادة روح الإخاء بين أبنائه.
ومن هنا اوجب الإسلام أن يتحقق لكل فرد يعيش في مجتمعه ما يحيا به حياة إنسانية لائقة به ، يتوافر له فيها – على الأقل تقدير حاجات المعيشة الأصلية ، من مأكل ومشرب ومسكن ، وما يحتاج إليه من كتب في فنه او أدوات لحرفته ، وان يتزوج إن كان تائقا للزواج .
ولا يجوز في نظر الإسلام أن يعيش فرد في المجتمع إسلامي – ولو كان من أهل الذمة – جائعا عاريا ، او مشردا محروما من الماؤى ، او من الزواج وتكوين الأسرة .
ولكن ما الذي يحقق للإنسان هذه المعيشة في المجتمع الإسلامي ؟ وما الوسائل التي اتخذها الإسلام لضمان ذلك ؟
والجواب: إن الإسلام يحقق هذه المعيشة ويكفلها لأبنائه بالوسائل التالية:
الوسيلة الأولى:العمل
إن كل إنسان في مجتمع الإسلام مطالب أن يعمل ، مأمور أن يمشي في مناكب الأرض ويأكل من رزق الله ، كما قال تعالى : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه " .
والمراد بالعمل: المجهود الواعي الذي يقوم به الإنسان – وحده أو مع غيره – لإنتاج سلعة أو خدمة.
أن هذا العمل هو السلاح الأول لمحاربة الفقر ، وهو السبب الأول في جلب الثروة ، وهو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان ، وأمره أن يعمرها ، كما قال تعالى : " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها " .
إن على كل فرد مسلم إن يسعى ويعمل ويجتهد، ملتمسا الرزق من خبايا الأرض، وتحت أديم السماء كيفما
كان العمل الذي يزاوله : زراعة صناعة تجارة ، أو إدارة أو كتابة ، أو أي حرفة أخرى من الحرف النافعة ، سواء كان يعمل لنفسه ام لحساب غيره ، فردا كان ذلك أو جماعة .
فهو بعمله هذا يغني نفسه بنفسه ، ويسد حاجته وحاجة اسرته ، غير مفتقر الى معونة من فرد أو مؤسسة أو حكومة . وهو بهذا قد اغنى نفسه من الفقر ، واسهم بنصيب ما في اغناء المجتمع كله .
وعلى الجماعة المسلمة والحاكم الاسلامي ان يعاونوا المسلم القادر على العمل ، حتى يجد ما يعيش به عيشة كريمة ، استجابة لقوله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى " .
وعلى المجتمع الاسلامي – حكاما ومحكزمين – ان يجندوا كل طاقاتهم ، ويستغلوا كل ما يحتاجون اليه من ثرواتهم ، ويستخدموا كل ما لديهم من قوى بشرية ومادية للتغلب على وحشية الفقر ، وتحطيم انيابه الكاسره . اذ لا شك ان زيادة الانتاج وتنمية موارد الثروة بوجه عام ، لها اثرها الفعال في محاربة الفقر .
الوسيلة الثانية : كفالة الموسرين من الاقارب .
هذا هو الاصل الاصيل في شريعة الاسلام : ان يحارب كل امرى الفقر بسلاحه هو ، وسلاحه هو العمل والسعي . ولكن ما ذنب العاجزين الذين لا يستطيعون ان يعملوا ؟ وما ذنب الارامل اللاتى مات عنهن ازواجهن ولا مال لهن؟ وما ذنب الصفار والشيوخ الهرمين ؟ وما ذنب المرضى والمقعدين ؟ ايتركون لعجلة الحياة لتدوسهم ، وتسحقهم ، وتتركهم ورائها هباء تذروه الرياح ؟
لا ... ان الاسلام قد عمل على انقاذهم من مخالب الفقر والحاجة . واغناهم عن ذل السؤال ، واول ما شرعه لذلك ، هو تضامن اعضاء الاسرة الواحدة .. لقد جعل الاسلام ذوى القربى متضامنين متكافلين وينهض قادرهم بعاجزهم فن العلائق بينه اشد قوة ، وبواعث التعاطف الجامعة ، هذه هي الحقيقة الكونية ، وقد ايدتها الحقيقة الشرعية : " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله "
ولقد اشترط الفقهاء لوجوب النفقة على القريب شرطين أساسيين :
أحداهما : فقر من تجب له النفقة ، فان استغنى بمال أو كسب لم تجب نفقته ، لأنها تجب على سبيل المعونة والمواساة .
الثاني: أن يكون للمنفق فضل مال ينفق عليهم منه، زائد على نفقة زوجته ونفسه.
الوسيلة الثالثة : الزكاة
أمر الإسلام كل قادر على أن يعمل ويسعى في طلب الرزق ليكفي نفسه ، ويغني أسرته ويسهم بالنفقة في سبيل الله ، فمن لم يستطع وعجز عن العمل ، ولم يكن لديه من المال الموروث او المدخر ما يسد حاجته ، كان في كفالة أقاربه الموسرين ، ينهضون به ويقومون بشأنه . ولكن ليس لكل فقير قريب قادر موسر لينفق عليه. فماذا يصنع المسكين الضعيف الذي ليس له أقارب أقوياء يحملونه من ذوي عصبته أو ذوي رحمه ؟ ماذا يصنع المحتاجون العاجزون أمثال الصبي اليتيم والمرأة الأرملة والأم العجوز ؟ ماذا يصنع المعتوه والزمن والأعمى والمريض وذوي العاهة ؟
أيترك كل هؤلاء للفقر القاهر ، والحاجة القاسية ، تفترسهم افتراسا ، والمجتمع ينظر إليهم – وفيه الأغنياء الموسرون ولا يقدم لهم عونا ؟!
إن الإسلام لم ينس هؤلاء .لقد فرض الله لهم في أموال الأغنياء حقا معلوما ، وفريضة مقررة ثابتة، هي الزكاة ، فالهدف الأول من الزكاة هو : أغناء الفقراء بها .
زكاة الأموال مورد ضخم لعلاج الفقر :
والزكاة ليست موردا هينا أو ضئيلا . إنها العشر أو نصف العشر من الحاصلات الزراعية : من الحبوب والثمار والفواكه والخضراوات – على أرجح الأقوال – اخذ بعموم قوله تعالى " وما أخرجنا لكم من الأرض " . وبعموم قوله ( صلى الله عليه وسلم ) –" فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالة نصف العشر " .
ويقاس على الأرض الزراعية في عصرنا : العمارات والمصانع ونحوها من " المستغلات " والزكاة عشر الناتج من عسل النحل كما جاءت بذلك الآثار ، وأيدها النظر والاعتبار . ويمكن أن يقاس عليها المنتجات الحيوانية في عصرنا ، كمنتجات دودة القز ، ومزارع الدواجن ، وأبقار الألبان .
الزكاة أول ضمان اجتماعي في العالم :
إن الزكاة بذلك تعد أول تشريع منظم في سبيل ضمان اجتماعي ، لا يعتمد على الصدقات الفردية التطوعية ، بل يقوم على مساعدات حكومية دورية منتظمة ، مساعدات غايتها تحقيق الكفاية لكل محتاج : الكفاية في المطعم والملبس والمسكن وسائر حاجات الحياة ، لنفس الشخص ولمن يعوله ، في غير إسراف ولا تقتير .
ولم يكن ذلك خاصا بالمسلمين وحدهم ، بل شمل من يعيش في ظل دولتهم من اليهود والنصارى -.
هذا هو الضمان الاجتماعي : الذي لم تفكر فيه الدول الغربية آلا منذ وقت قريب ، ولم تصل به إلى مستوى ضمان الإسلام في شموله لكل محتاج ، وتحقيق الكفاية الكاملة له ولاسرته .. ومع هذا لم تفكر فيه إخلاصا لله تعالى ، ولا رحمة بالضعفاء ، ولكن دفعتها إليه الثورات ، وموجات المذاهب الشيوعية والاشتراكية ، كما دفعتها الحرب العالمية الأخيرة ، ورغبتها في استرضاء شعوبها ، وحثهم على استمرار النضال .
الوسيلة الرابعة : كفالة الخزانة الإسلامية بمختلف مواردها .
بينا ان الزكاة هي المورد المالي الحكومي الاول لمعالجة الفقر ، وسد خلة الفقراء في الاسلام ، فلنضف الى ذلك ان جميع الموارد الراتبة لبيت المال " الخزانة الاسلامية " فيها قدر مشترك لعلاج هذا الجانب .
ففي املاك الدولة الاسلامية ، والاموال العامة ، التي تديرها وتشرف عليها ، اما باستغلالها او بايجارها او بالمشاركة عليها ، وذلك كالاوقاف العامة ، والمناجم والمعادن ، التي يوجب الاسلام في ارجح مذاهبه الا يحتجزها الافراد لانفسهم ، بل تكون في يد الدولة ، ليكون الناس كافة شركاء في الانتفاع بها في ريع هذه الاملاك وما تدره من دخل للخزانة الاسلامية ، وفي خمس الغنائم ، وفي مال الفيء ، وفي الخراج ، حق للمحتاجين ، قال الله تعالى : " واعلموا ام ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " .
وهذه الوصية العمرية تقرر وتؤكد جملة احكام هامة يعيينا منها :
أولا : وجوب عناية الدولة المسلمة بذوي المال القليل والدخل الضئيل ، واتاحة الفرصة لهم ليكسبوا ويغنوا انفسهم ، ولو كان ذلك بالتضيق على ذوي الثروات الكبيرة ، وحرمانهم مما اتيح للفئات الضعيفة من وسائل الكسب وتنمية الدخل .
ثانيا : ان كل انسان يعيش في كنف الدولة الاسلامية من حقه ان هلك مصدر دخله وضاع مورد رزقه ، ان يصرخ في وجه الحاكم المسئول ، مطالبا بحقه وحق بنيه في مال المسلمين – أي من خزانة الدولة - .
ثالثا : ان السياسة الراشدة هي التي تعمل على توفير العمل وتسيره للقادرين من الفقراء ، وتعمل على تنمية مصادر الدخل لصغار الملاك ، ليستغني هؤلاء واولئك بجهدهم الخاص عن طلب المعونة من الدولة ، وتكليفها عبء الانفاق عليهم من خزانتها .
الوسيلة الخامسة : ايجاب حقوق غير الزكاة :
هناك حقوق مالية اخرى تجب على المسلم بايباب وملابسات شتى ، كلها موارد لاعانة الفقراء ، ومطاردة الفقر من دار الاسلام .
ومن هذه الحقوق :
1. حق الجوار : الذي امر الله برعايته في كتابه وحض عليه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في سنته، وجعل اكرام الجار من الايمان ، وأيذائه واهماله من دلائل البراءة من الاسلام ، قال تعالى " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتلمى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب " . وقال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره " .
2. الاضحية في عيد الاضحى وهو في مذهب ابي حنيفة – واجبة على الموسر لحديث " من كان عنده سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " .
3. الحنث في اليمين : قال تعالى " فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة " .
4. كفارة الظهار فمن قال لزوجته : انت علي كظهر امي او اختي او نحو ذلك حرمت عليه زوجته حتي يكفر ، وكفارته تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فاطعان ستين مسكينا .
5. كفارة الجماع في نهار رمضان وهي مثل كفارة الظهار .
6. فدية الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه ممن يعجزون عن الصيام فهم يفدون في كل يوم في رمضان مقدار طعام مسكين كما جاء في القران الكريم " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين "
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
2017-07-09, 06:40 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عضو من عائلة أبو هاشم بمصر
2017-07-08, 18:28 من طرف Hany
» مربعانية الشتاء
2017-07-08, 08:59 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» ونذرت شعري للمسرى
2017-07-08, 08:57 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عايد أبو فردة يشهر كتابه «ديوان السامر الفلسطيني»
2017-07-08, 08:54 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» "وادي الكلاب".. خربة لا ترى النور ---- قرية الصرة
2017-07-08, 08:26 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» طموح مواطنو قرية الصرة في دورا - الخليل
2017-07-08, 08:20 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» دعاء لشهر ذي الحجة 1437
2016-09-03, 20:29 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» صورة وجهاء عائلة أبو هاشم
2016-09-03, 19:53 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» اثناء العمل ... فارس طه ابو هاشم
2016-09-03, 19:14 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم