------------------------------------------------------------
ليلى والجرار المسحورة
* قصّة للأطفال
* بقلم : محمد بوحوش
كانت ليلى مولعةَ بلعبة تشكيلِ حروف الأبجديّةِ. جلستْ يوم أحدٍ كعادتها وأحضرتْ علبتها ثمّ بدأت تبعثرُ الحروف هنا وهناك. ها هي تغمضُ عينيْها وتختارُ ثلاثة حروف منها. جاء حرفُ السّين سلسا ووسيما ثمّ حرف الحاء حالما طيّعاً وأخيرا جـــــاءتِ الرّاءُ الرّحيمةُ. فتحت ليلى مُعجمها على كلمة " سَحَرَ" وراحتْ تقرأ: سحرهُ أي خدعهُ. عملَ له السّحرَ بمعنى استماله وفتنه وسخّرَ لبَّه. سَحَرهُ عن كذا أي صرفهُ وأبعدهُ. سحرَ الفضّةَ أي طلاها بالذّهب، إلى أن قرأتْ سَحَرَ المطرُ الطينَ بمعنى أفسدهُ فلم يصلحْ للعملِ. فتوقّفـــتْ عند هذا الشّرحِ وسرّحتْ بصرها وخيالها بعيدا .. بعيدا .
كانت والدةُ ليلى " أمّ الخير " خزّافةَ ماهرةَ ، تعدُّ جرارا طينيّة فاخرةَ تُغري النّاظر بألوانها الزّاهيةِ وزركشتها الفاتنةِ، فتلمِّعُها وتصفّفُها وتخبّئها في غرفة ليلى في انتظار بيعــــــها.
تناولتْ ليلى جرّةَ صغيرةَ وأودعتْ بها ثلاثةَ حروفٍ : سينٌ وحاءٌ وراءٌ ثــــــــمّ أغلقتها وأمسكتْها بين يديْها وهي تتأمّلُ صَنعةَ والدتها البديعةَ .
فجأةً شعرت ليلى بدوارٍ في الرّأس فإذا بالجرّة تهتزُّ وترقصُ أمامها وتدورُ يمنةً ويسرة ً.
لم تكن ليلى تصدّقُ ما يجري لكنّ صوتا هامسا خافتا باغتَها قائلاً : اقرئي يا ليلى ..اقرئي..
قرأتْ ليلى على واجهةِ الجرّةِ : " أنا ساحرةٌ ألبّي النّداءَ وأعالجُ الدّاءَ، فاطلبي ما شئتِ يا ابنتي" .
أحسّتْ ليلى برعشةٍ تتملَّكُها وهي ذاهلة ٌ، حائرة ٌ، ما عساهُ يكون الأمرُ ؟ ولو طلبتْ شيئا فما الذي يمكنُها أن تطلبَ .
كان العمُّ " الفاضلُ" والدُ ليلى رجلا كادحا مُولعا بعمله والعنايةِ بحديقةِ منزله التي جمعَ فيها زهورا وورودا وأعشابا شتّى. وكان يجلسُ أثناء الليل بعد تناول العشاء ليشربَ شايــه ُ ويتمرّنَ على النفخ في النّايِ .
فلا شيءَ يشغلهُ ويعكّرٌ صفوهُ سوى المرضُ العضالُ الذي لازمهُ منذ صغرهِ. وكانتْ أمنيةُ ليلى أن يشفى والدها من مرض الصّرعِ الذي يأتيهِ في شكل نوباتٍ متكرّرةٍ في اليومِ الواحدِ حتّى يغيبَ عن وعيهِ.
ها قد وجدتْ ليلى أمرا تطلبهُ : دواءً يشفي والدها لا أكثرَ. استمرّتِ الجرّةُ في دورانها ورقصتِها كبهلوانيٍّ وجاء صوتٌ مرتعشٌ لشيخ حنونٍ : اكتُبي يا ليلى .. اكتُبي يا ليلى .. وشرعتْ ليلى تَخطّ :
عسلٌ بالزّنجبيلِ يتناولهُ والدكِ كلّ صباح ٍ وسيشفَى إن شاء اللهُ بعد شهرٍ .
جمعتْ ليلى حروفَ أبجديّتِها ، ألقتْ بها في العلبةِ وأرجعتِ الجرّةَ إلى مكانها وانتظرتْ بشغفٍ حتّى جاءَ الليلُ والتفّتِ العائلةُ حول مائدةِ العشاءِ ، لكنّ ليـــــــلى تأبى أن تأكلَ .
سألها والدُها ما بكِ يا ليلى؟ ما الذي يُشغلكَ عنّا ؟ صمتتْ لحين ثمّ قالتْ لاشيءَ يا أبتِ.. لا شيءَ .. أردتُ أن أشيرَ عليكَ بدواءٍ نافعٍ ويسيرٍ، ولنْ أتناولَ عشائـــــــــي حتّى تقبلَ نصيحتي . استدارَ " الفاضلُ" في جلستهِ فتهيّأ وقالَ : هاتِها يا ابنتي فلقدْ يوجدُ في النّهر ما لا يوجدُ في البحر ."
قالتْ ليلى : ثلاثُ ملاعقَ من العسلِ والزّنجبيلِ كلَّ صباحٍ قبلَ الإفطارِ ولمدّةِ أسبوعينِ فقط وستشْفى من دائكَ يا أبتِ ..".
مرّتِ الأيّام ُ، اليومُ تلو الآخرَ وبدأ "الفاضلُ" يتعافى شيئا فشيئا حتّى ذهبَ عنه مرضُ الصّرعِ نهائيّا .
ذات ليلةٍ اجتمعتِ العائلةُ كعادتها ، صمَتَ " الفاضلُ " طويلا ثمّ تنهّدَ وقــــــــــالَ لليلى : أوصيكِ بأمرٍ واحدٍ يا أبنتي : " اعملي وثابري تكوني طبيبـــــــــــــــة .."
مضتِ السِّنونَ سِراعا، وتخلّتْ ليلى عن لعبتها المفضّلة وجِرارها المسحورة وها هي اليوم طبيبة في مَشفى حكوميٍّ شهيرٍ تُباشرُ العمل في يومــــها الأوّل متذكّرةً نصيـــــــحةَ والـــــدها التي ارتسمتْ في ذهنها وسكنتْها طيلةَ ثمانيةَ عشر عامـًــا. [/b]
2017-07-09, 06:40 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عضو من عائلة أبو هاشم بمصر
2017-07-08, 18:28 من طرف Hany
» مربعانية الشتاء
2017-07-08, 08:59 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» ونذرت شعري للمسرى
2017-07-08, 08:57 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عايد أبو فردة يشهر كتابه «ديوان السامر الفلسطيني»
2017-07-08, 08:54 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» "وادي الكلاب".. خربة لا ترى النور ---- قرية الصرة
2017-07-08, 08:26 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» طموح مواطنو قرية الصرة في دورا - الخليل
2017-07-08, 08:20 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» دعاء لشهر ذي الحجة 1437
2016-09-03, 20:29 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» صورة وجهاء عائلة أبو هاشم
2016-09-03, 19:53 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» اثناء العمل ... فارس طه ابو هاشم
2016-09-03, 19:14 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم