أعدت خطة اقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين حول بيروت منذ اليوم الأول لغزو لبنان عام 1982 ، وذلك بهدف إضعاف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت ودفع الفلسطينيين إلى الهجرة خارج لبنان.
قبل غروب شمس يوم الخميس 16/9/1982 بدأت عملية اقتحام المخيمين، واستمرت المجزرة التي نفذتها مليشيا الكتائب اللبنانية وجنود الاحتلال الصهيوني حوالي 36 ساعة، كان الجيش "الإسرائيلي" خلالها يحاصر المخيمين ويمنع الدخول أليهما أو الخروج منهما، كما أطلق جنود الاحتلال القنابل المضيئة ليلا لتسهيل مهمة الميليشيات، وقدم الجنود الصهاينة مساعدات لوجستية أخرى لمقاتلي المليشيا المارونية أثناء المذبحة.
بدأ تسرب المعلومات عن المجزرة بعد هروب عدد من الأطفال والنساء إلى مستشفى غزة في مخيم شاتيلا حيث ابلغوا الأطباء بالخبر، بينما وصلت أنباء المذبحة إلى بعض الصحفيين الأجانب صباح الجمعة 17/9/1982 ، وقد استمرت المذبحة حتى ظهر السبت 18/9/1982 وقتل فيها نحو 3500 مدنيا فلسطينيا ولبنانيا معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ.
يذكر أن المجزرة قد تم تنفيذها بقيادة ارييل شارون الذي كان يرأس الوحدة الخاصة (101) في الجيش "الإسرائيلي" - آنذاك- والتي نفذت المذبحة، وقد تمت المجزرة تحت شعار "بدون عواطف، الله يرحمه" ، وكلمة السر -اخضر- وتعني أن طريق الدم مفتوح ! لكن المحكمة العسكرية التي شكلت للتحقيق في المجزرة اعتبرت أن أوامر قائد اللواء أسيء فهمها وتم تغريمه10 قروش - 14 سنتا أميركيا- كما تم توبيخه بحكم المحكمة العسكرية ، وقد سمي الحكم بـ"قرش شدمي" لشدة ما به من سخف واستخفاف بمفهوم القضاء.
تقول أم غازي يونس ماضي إحدى الناجيات من المذبحة "اقتحموا المخيم الساعة الخامسة والنصف يوم 16 سبتمبر، ولم نكن نسمع في البداية إطلاق رصاص، فقد كان القتل يتم بالفؤوس والسكاكين، وكانوا يدفنون الناس أحياء بالجرافات، هربنا نركض حفاة والرصاص يلاحقنا ، وقد ذبحوا زوجي وثلاثة أبناء لي في المجزرة، فقد قتلوا زوجي في غرفة النوم وذبحوا أحد الأولاد، وحرقوا آخر بعد أن بتروا ساقيه، والولد الثالث وجدته مبقور البطن، كما قتلوا صهري أيضا".
تروي أم محمود جارة أم غازي ما شهدته قائلة " رأيتهم يذبحون فتاة وهي حامل مع زوجها وابنة خالتي خرجت من المنزل فامسكوا بها وذبحوها في الشارع ثم ذبحوا ولدها الصغير الذي كان في حضنها"، ويقول غالب سعيد وهو من الناجين "تم إطلاق قذائف مدفعية على المخيم أولا، كان القتل يتم بأسلحة فيها كواتم صوت، واستخدموا السيوف والفؤوس ، وقتلوا شقيقي وأولادي الأربعة، كما تعرضت عدة فتيات للاعتداء عليهن".
أما منير احمد الدوخي وكان يومها طفلا عمره 13 عاما، نجا رغم محاولات ثلاث لقتله، فيقول انه وضع تحت مسؤولية مسلحين يلبسون ملابس قذرة ولا يحسنون الحديث بالعربية وذلك مع مجموعة أخرى من النساء والأطفال الذين سحبوا من بيوتهم، وقد أطلقوا النار على النساء والأطفال فأصبت بقدمي اليمنى ، وأصيبت والدتي بكتفها وساقها، وتظاهرت بالموت بعدما طلبوا من الجرحى الوقوف لنقلهم إلى المستشفى، لكنهم أطلقوا عليهم النار جميعا من جديد ، فنجوت من محاولة القتل الثانية أيضا، غير أن أمي كانت قد فارقت الحياة، وصباح اليوم التالي أطلقوا علي النار عندما وجدوا أنني لا زلت حيا فأصابوني وظنوا بأنني قد مت فتركوني".
وتقول سنية قاسم بشير "قتل زوجي وابني في المجزرة، وافظع المشاهد التي شاهدتها كان منظر جارتنا الحاجة منيرة عمرو، فقد قتلوها بعدما ذبحوا طفلها الرضيع أمام عينيها وعمره أربعة شهور".
وتروي ممرضة أميركية تدعى جيل درو عن شاهد عيان قوله انهم ربطوا الأطفال ثم ذبحوهم ذبح الشياه في مخيمي صبرا وشاتيلا، صفوا الناس في الإستاد الرياضي وشكلوا فرق الإعدام .
علي خليل عفانة طفل في الثامنة يقول "كانت الساعة الحادية عشرة والنصف ، سمعنا صوت انفجار كبير وتلاه صوت امرأة وفجأة اقتحموا منزلنا، واندفعوا كالذئاب يفتشون الغرف، صاحت أمي تستنجد فأمطروها بالرصاص، مد أبى يده يبحث عن شيء يدافع به عن نفسه،لكن رصاصهم كان أسرع، لم اقو على الصراخ فقد انهالوا علي طعنا بالسكاكين.. لا ادري ماذا جرى بعد ذلك، لكني وجدت نفسي في المستشفى كما تراني ملفوف الرأس والساقين، قال لي رفيق في المدرسة كان في زيارة أمه في المستشفى أن بيتنا تحول إلى أنقاض، جاءت خالتي أمس لزيارتي فسألتها عن مصير اخوتي الثلاثة ، لكنها لم تجب ! ! لقد ماتوا جميعا أنا اعرف ذلك". وانسابت الدموع الساخنة على خديه الصغيرتين.
وتروي امرأة من مخيم صبرا ما جرى فتقول "كنا وزوجي وطفلي نهم بالنوم ليلة 15 سبتمبر بعدما انتهينا من ترتيب الأغراض التي خربها القصف، وكنا نعيش حالة من الاطمئنان لان الجيش اللبناني - حسب ظنها- يطوق المخيم، لكن الهول كان قد اقترب إذ دخل عشرات الجنود والمقاتلين يطلقون النار ويفجرون المنازل، فخرجنا نستطلع الأمر ولما رأينا ما رأينا حاولنا الهرب لكنهم استوقفونا ، ودفعوا زوجي وأبى وأخي وأداروا ظهورهم إلى الحائط وأجبروهم على رفع أيديهم، ثم أمطروهم بوابل من الرصاص فسقطوا شهداء، ولما صرخنا أنا وأمي شدونا من شعورنا باتجاه حفرة عميقة أحدثها صاروخ، لكن أوامر صدرت لهم بالحضور إلى مكان آخر فتركونا دون أن يطلقوا علينا النار ثم هربنا".
وتروي امرأة أخرى كيف دخلوا بيتها وعندها طفل من الجيران فانهالوا عليه بالفأس فشقوا رأسه قسمين وتقول "لما صرخت أوثقوني بحبل كان بحوزتهم ورموني أرضا ثم تناوب ثلاثة منهم على اغتصابي، وتركوني في حالة غيبوبة لم استفق إلا في سيارة إسعاف الدفاع المدني".
كان بعد رجال الميليشيات يسحقون الفلسطينيين بالسيارات العسكرية حتى الموت،وكانوا يرسمون الصليب على جثث القتلى، وقد قام مصور تلفزيون دانمركي يدعى بترسون بتصوير عدد من الشاحنات المحملة بالنساء الأطفال المسنين المتجهة إلى جهة مجهولة.
في صبرا وشاتيلا تم قتل الناس دون تمييز، كما تم اغتصاب عدد كبير من النساء، هناك العديد من الناس رفع الأعلام البيضاء كناية عن الاستسلام خصوصا الأطفال والنساء غير انهم كانوا من الضحايا الأوائل في المذبحة، بما في ذلك اكثر من خمسين امرأة ذهبن للتعبير عن الاستسلام وانه ليس هناك مسلحون بالمخيم فتقلوهن جميعا.
الهجوم على مستشفى عكا كان صباح الجمعة الساعة 11.30 صباحا حيث تمت عمليات قتل للأطباء والمرضى، ممرضة فلسطينية تدعى انتصار إسماعيل 19 عاما تم اغتصابها عشر مرات ثم قتلت وعثر على جثتها بعد ذلك مشوهة، وقد قتلوا العديد من المرضى والجرحى وبعض العاملين والسكان الذي لجئوا إلى المستشفى، ثم اجبروا أربعين مريضا على الصعود في الشاحنات ولم يعثر على أي منهم فيما بعد، وخلال المذبحة قتل الإرهابيون الطبيب علي عثمان ، والطبيبة سامية الخطيب داخل المستشفى، وافرغوا رصاصات في رأس طفل جريح يرقد في السرير عمره 14 عاما ويدعى موفق اسعد.
وقامت البلدوزرات بحفر المقابر الجماعية في منتصف النهار جنوب شاتيلا بمشاركة "الإسرائيليين" ، كما هدم العديد من المنازل بالبلدوزرات وقد تمت المذبحة في مناسبة السنة العبرية الجديدة !.
ويروي روبرتو سورو مراسم مجلة التايم الأمريكية في بيروت ما رآه بعد دخوله المخيمات فيقول "لم يكن هناك سوى أكوام الخراب والجثث، حيث الجثث مكومة فوق بعضها من الأطفال والنساء والرجال ، بعضهم قد أصاب الرصاص رأسه ، وبعضهم قد ذبح من عنقه ، وبعضهم مربوطة أيديهم إلى الخلف ، وبعضهم أيديهم مربوطة إلى أرجلهم، بعض أجزاء الرؤوس قد تطايرت، جثة امرأة تضم طفلها إلى صدرها وقد قتلتهما رصاصة واحدة، وقد تمت إزاحة الجثث من مكان إلى آخر بالبلدوزرات "الإسرائيلية" ، ووقفت امرأة على جثة ممزقة وصرخت "زوجي ! يا رب من سيساعدني من بعده ؟ كل أولادي قتلوا ! زوجي ذبحوه ! ماذا سأفعل ؟ يا رب يا رب!".
وفي تقرير لمراسل الواشنطن بوست يقول عن مشاهداته "بيوت بكاملها هدمتها البلدوزرات وحولتها إلى ركام جثث مكدسة فوق بعضها أشبه بالدمى، وفوق الجثث تشير الثقوب التي تظهر في الجدران إلى انهم اعدموا رميا بالرصاص . في شارع مسدود صغير عثرنا على فتاتين، الأولى عمرها حوالي 11 عاما والثانية عدة اشهر ! ! ! كانتا ترقدان على الأرض وسيقانهما مشدودة وفي رأس كل منهما ثقب صغير، وعلى بعد خطوات من هناك وعلى حائط بيت يحمل رقمين 442- 424 أطلقوا النار على 8 رجال . كل شارع مهما كان صغيرا يخبر عن قصته، في أحد الشوارع تتراكم 16 جثة فوق بعضها بعضا في أوضاع غريبة، وبالقرب منها تتمدد امرأة في الأربعين من عمرها بين نهديها رصاصة، وبالقرب من دكان صغير سقط رجل عجوز يبلغ السبعين من العمر ويده ممدودة في حركة استعطاف، ورأسه المعفر بالتراب يتطلع ناحية امرأة ظلت تحت الركام ! ! ".
ويقول حسين رعد 46 عاما "إن الإرهابيين قاموا بقطع الرؤوس وضرب الرقاب "بالساطور" وكانوا يدوسون الجثث بأقدامهم، وقد رأيت بعيني قتل خمسة أشخاص أحدهم بالساطور ناهيك عن الشتائم والإهانات، وكانوا يذبحون الأطفال والنساء بلا تمييز".
وقال "إن السكان بدؤوا بالهروب من جهة القوات المتعددة الجنسية والتي لم تقم بحمايتهم خصوصا في منطقة الحمرا".
أما محمود هاشم 28 عاما، وهو من شهود المذبحة كان عمره آنذاك يقارب الـ15 عاما "كنت نائما مع أصحاب لي يوم الجمعة ليلا في المخيم وبحدود الساعة 11 ليلا سمعنا إطلاق نار ظنناه عاديا، ونمنا حتى الصباح حيث صحونا لنجد المخيم خاليا إلا من القطط والكلاب، وخرجنا نتفقد الأحوال، حتى اقتربنا من "مدرسة الجليل" حيث وجدنا كومة من الجثث فوق بعضها البعض، فلم نتمالك أعصابنا ، وقررنا الخروج من المخيم عن طريق تدعى الاستديو" ووصلت إلى حي الفاكهاني حيث يقيم أهلي بعدما دمر بيتنا في مخيم صبرا وشاتيلا جراء القصف "الإسرائيلي" في أوائل الاجتياح، وسمعت هناك بخبر المذبحة"، ويضيف "التقيت صحفيا بريطانيا طلب مني أن اصحبه إلى مدخل المخيم صباح السبت 17/9/1982 ليسجل أحداث المذبحة بكاميرته، فوافقت وعندما وصلنا إلى الجهة الغربية من المخيم فوجئنا بكومة من الجثث بالقرب من مكان الدوخي، وقد ضرب صاحب الدكان ببلطة في رأسه، وكان إلى جانبه شاب صغير، والباقون من كبار السن، وتابعنا المسير حتى وصلنا إلى مفرق الحرج حيث شاهد 9 جثث تحت شاحنة، وكانت أيدي بعضهم مربوطة، فيما اخترق الرصاص سطح حائط مجاور، ويدل المنظر على عملية إعدام جماعي لهؤلاء، على بعد عشرة أمتار من هذا المشهد المذهل، وجدنا امرأة مسنة تحمل بطاقة هوية لبنانية، ويبدو أنها كانت تحاول إقناعهم بأنها لبنانية وليست فلسطينية، وعلى بعد عشرين مترا أخرى وجدنا عدد من الأحصنة مقتولة، وبينها جثة رجل مقطوع الرأس، تبين فيما بعد أنها جثة عمي عبد الهادي هاشم 49 عاما، وبعد أن تابعنا المسير اصطدمنا بست جثث مربوطة بجنازير بعضها ببعض، وكانت رؤوس اثنين منهم مجوفة فيما يبدو أنها ضربت ببلطة أو فأس على الرأس، ونظرا للهول والذهول الذي أصابنا قررنا العودة من حيث أتينا، وكان الصحفي البريطاني قد التقط عشرات الصور لهذه المشاهد، وخلال ذلك سمعنا حركة قريبة منا فأضطرب الصحفي وسارع لقيادة الدراجة النارية وأنا معه إلى خارج المخيم، وقد أطلقت علينا زخات من الرصاص فزاد من سرعة انطلاقه".
ويستعيد شاهد العيان شريط ذكرياته داخل المخيم فيقول "رأينا الجثث مكومة في زاوية إلى اليمين وعلى بعد خمسين ياردة فقط من مدخل مخيم شاتيلا، كان هناك اكثر من اثنتي عشرة جثة لشبان صغار التفت أرجلهم وأيديهم بعضها حول بعض، وهم يعانون آلام الموت، وكان كل منهم مصابا برصاصة أطلقت نحو صدغه فاخترقت مخـه، وبدت على الجانب الأيسر من رقاب بعضهم ندوب قرمزية أو سوداء، رأينا طفلة لا تتجاوز الثالثة من عمرها ملقاة على الطريق وكأنها دمية مطروحة، وقد تلوث ثوبها الأبيض بالوحل والدم والتراب، وكانت قد أصيبت برصاصة قد طيرت مؤخرة رأسها واخترقت دماغها، كانت الأسر قد أوت إلى فراشها في غرف النوم عندما اقتحم المسلحون المخيم، فقد رأيت جثثا ممددة على الأرض أو متكومة تحت الكراسي، وبدا انه جرى اغتصاب كثير من النساء حيث كانت ملابسهن مبعثرة على الأرض، شاهدت أما تضم طفلها وقد اخترقت رأس كل منهما رصاصة ، نساء عاريات قيدت أيديهن وأرجلهن خلف ظهورهن، رضيع مهشم الرأس يسبح في بركة من الدم والى جانبه رضاعة الحليب. على طاولة الكوي بالقرب من أحد البيوت قطعوا أعضاء طفل رضيع وصفوها بعناية على شكل دائرة ووضعوا الرأس في الوسط. في صبرا وشاتيلا يسود الانطباع أن القتلة استهدفوا وأمعنوا في قتل الأطفال بنوع خاص".
بعد انسحاب الإرهابيين هام الناجون من المذبحة على وجوههم بحثا عن أقاربهم الذين طالهم الذبح بين أكوام الجثث أو تحت الأنقاض، وكانوا لا يزالون تحت كابوس المجزرة التي عاشوها.
3297 رجل وطفل وامرأة قتلوا في أربعين ساعة بين 17-18 أيلول سبتمبر 1982 ، وذلك من اصل عشرين ألف نسمة كانوا في المخيم عند بدء المجزرة، وقد وجد بين الجثث اكثر من 136 لبنانيا، منهم 1800 شهيد قتلوا في شوارع المخيمين والأزقة الضيقة، فيما قتل 1097 شهيدا في مستشفى غزة و 400 شهيد آخر في مستشفى عكا.
وفي تعقيبه على المذبحة قال مناحيم بيغن أمام الكنيست يصف رجال المقاومة الفلسطينية "انهم حيوانات تسير على ساقين اثنين"، فيما أعلن ضابط كتائبي بعد إعلان نبأ المذابح "أن سيوف وبنادق المسيحيين ستلاحق الفلسطينيين في كل مكان ، وسنقضي عليهم نهائيا".
ضابط كتائبي آخر صرح لمراسل صحفي أمريكي "لقد انتظرنا سنوات طويلة لكي نتمكن من اقتحام مخيمات بيروت الغربية، لقد اختارنا "الإسرائيليون" لأننا افضل منهم في هذا النوع من العمليات "من بيت إلى بيت"، وعندما سأله الصحفي إذا كانوا اخذوا أسرى، أجابه "هذه العمليات ليست من النوع الذي تأخذ فيه أسرى".
ونقل راديو لندن عن مراسلة قوله انه بينما كانت عمليات القتل مستمرة طوق الجنود "الإسرائيليون" المخيمات بالدبابات وأطلقوا النار على كل شيء يتحرك.
أعلى
ناجون من المجزرة يروون وقائع محفورة في ذاكرتهم :
عائلات ابيدت وحوامل بقرت بطونهن واطفال تطايرت رؤوسهم
"رأيت عشرات الجثث امام الملجأ القريب من بيتنا. ظننت في البداية ان القصف قضى عليهم. بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم".
هذا ما رواه ماهر مرعي - احد الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا - وهو يصف ما حدث ليلة السادس عشر من ايلول 1982، قال :" رأيت الجثث، امام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم افهم، عدت الى البيت لاخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا انها مجزرة، فنحن لم نسمع اطلاق رصاص، اذكر اني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم ادرك سبب وجودها الا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت "تتفندق" بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها.
بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد ان احسسنا ان شيئا مريبا يحدث في المخيم. رفض والدي المغادرة بسبب جارة اتت للمبيت عندنا، وكانت اول مرة تدخل بيتنا. زوجها خرج من المقاتلين على متن احدى البواخر ولم يكن لديها احد، فقال ابي لا يجوز ان نتركها ونرحل. كان اسمها ليلى. كانت الجثث التي رأيتها امام الملجأ لرجال فقط. ظننا انا ووالدي ان الملجأ كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والاطفال بالمبيت واخذ راحتهم، فماتوا بالقصف. كنت ذهابا يومها لإحضار صديقة لنا - كانت تعمل مع والدي - تبيت في الملجأ. كانت تدعى ميسر. لم يكن لها احد هي الاخرى. كان اهلها في صور واراد ابي ان احضرها لتبيت عندنا. قتلت في المجزرة مع النساء والاطفال. رأيت جثتها في ما بعد في كاراج ابو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!!
عندما دخل "الاسرائيليون" الى بيروت الغربية كنا نعتقد ان اقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الاراضي التي احتلوها. اذكر اني ذهبت صباح يوم المجزرة - وكان يوم الخميس في 16 ايلول - مع مجموعة كبيرة من النساء والاطفال لاحضار الخبز من منطقة الاوزاعي سيرا على الاقدام (كان عمري 14 عاما). كنا "مقطوعين" من الخبز وليس لدينا ما نأكله. رفض اصحاب الافران يومها ان يبيعونا، كان الخبز متوفرا ويبيعونه الى اللبنانيين فقط مع انه كان متوفرا بكثرة. عدنا الى المخيم فلم نستطع الدخول، اذ كانت الطرقات المؤدية الى المخيم جميعها مقطوعة، وكان "الاسرائيليون" يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي. عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان اهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص. رأيت عند قسطل المياه "اسرائيليا" من اصل يمني يقتل فتاتين فلسطينيتين، لانهما وبختا فلسطينيا ارشد "الاسرائيلي" الى الطريق التي هرب منها احد الذين يطاردونهم، هكذا قالت ام الفتاتين التي كانت معهما وهربت عند بدء اطلاق الرصاص. حاول اهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما، - قنصهما "الاسرائيليون" من السفارة - ثم ما لبث اهل المخيم ان سحبوهما بالحبال. يومها رأيت ارييل شارون في هليكوبتر امام السفارة، احسست انه قائد "اسرائيلي" كبير، لم اكن اعرف من هو الا بعد ان رأيته على شاشات التلفزيون بعد انتشار اخبار المجزرة.
تمكنا بعد ذلك من العودة الى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملا سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما اخذ يخبرني ما حصل في بيتهم تلك الليلة - أي الخميس وهو اول يوم في المجزرة. قال ماهر:"عندما اخبرت والدي عن الجثث، طلب منا ان نلزم الهدوء والا نصدر أي صوت، تتألف عائلتنا من 12 شخصا، ستة صبيان واربع بنات وابي وامي. كان اخواي محمد واحمد خارج البيت وهما اكبر مني سنا. الباقون كانوا في البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا. قرابة الفجر، صعد اخي الى السطح مع ليلى كي تطمئن على بيتها. كان النعاس قد غلبنا انا وابي - اذ بقينا ساهرين ننصت الى ما يجري في الخارج ونسكت أختي الصغيرة التي كانت تبكي من وقت لاخر.
لم نشعر بصعود ليلى واختي الا عندما نزلا. كنتا خائفتين فقد رآهما المسلحون. ما هي الا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب. عندما فتحنا لهم اخذوا يشتموننا واخرجونا من البيت ووضعونا صفا امام الحائط يريدون قتلنا. ارادوا ابعاد ليلى اذ ظنوا انها لبنانية لانها شقراء، وابعدوا اختي الصغيرة معها لانها شقراء هي الاخرى وظنوا انها ابنة ليلى !
رفضت ليلى تركنا، واخذت اختي تصرخ وتمد يديها الى امي تريد "الذهاب" معها، كان عمرها اقل من سنتين وكانت ما تزال تحبو، في تلك اللحظة، كان جارنا حسن الشايب يحاول الهرب خلسة من منزله، فاصدر صوتا وضجة اخافتهم.
كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لمحته تلك الليلة عدة مرات، اعتقد انهم ظنوا في تلك اللحظة ان الضجة صادرة عنه، لذا ادخلونا الى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدي بطاقة هويته، وما ان ادار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر لم اعرف كيف وصلت الى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي الى المرحاض وجدت اخي الاصغر اسماعيل فاخذته معي واقفلت فمه. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الارض، ما عدا اختي الصغيرة. كانت تصرخ وتحبو باتجاه امي واختي وما ان وصلت بينهما حتى اطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت.
اسماعيل وانا لم نتحرك. لزمنا الصمت فترة. لم اعد استطيع التنفس، فحاولت بلع ريقي لاستعادة تنفسي وكنت مترددا في فعل ذلك. اذ كنت - عادة - اصدر صوتا عندما أبلع ريقي وخفت ان يسمعوا الصوت ويأتوا لقتلي. وبالفعل، عندما فعلت كان صوت البلع مسموعا من شدة السكون الذي سطر على البيت لكنهم لم يسمعوني، فقد خرجوا بعد ان نفذوا جريمتهم. كان كل شيء ساكنا، امسكت الباب كي لا يتحرك لانه كان يصر - في العادة - صريرا. خفت ان يسمعوه فيعودوا ورحت احركه ببطء شديد. كما اعتقدت انهم ربما لاحظوا غيابي وانهم سيعودون لقتلي. لذا انتظرت بعض الوقت، وعندما تيقنت من خروجهم وعدم عودتهم خرجت من المرحاض وابقيت اسماعيل فيه. بدأت اتفقد عائلتي. والدتي تظاهرت بداية بالموت وكذلك اختاي نهاد وسعاد، ظنا منهما اني كتائبي. ولكن، والدي وباقي اخوتي "الخمسة" وليلى كانوا جميعا امواتها، كانت امي مصابة بعدة طلقات وكذلك نهاد وسعاد.
امي ونهاد تمكنتا من الهروب معي واسماعيل، بينما سعاد لم تستطع لان الطلقات اصابت حوضها وشلت. تركناها وخرجنا لاحضار الاسعاف - يا لسذاجتنا- ولم نكن نعرف ماذا ينتظرنا في الخارج، الذين دخلوا الى بيتنا كانوا خليطا من القوات اللبنانية وقوات سعد حداد، اذ كان بينهم مسلمون ولا يوجد مسلمون الا مع سعد حداد. عرفنا انهم مسلمون من مناداتهم لبعضهم. كان بينهم من يدعى عباس واخر يدعى محمود.
بعد خروجنا من البيت تهنا عن بعضنا البعض. بقيت انا واسماعيل معا، واخذوا يلاحقوننا من مكان لاخر. اخذت انبه الناس لما يجري، فكثيرون كانوا ما يزالون في بيوتهم، يشربون الشاي ولا يدرون بشيء. اختبأنا في مخزن طحين ثم ما لبثوا ان اكتشفوا امرنا فهربنا مجددا. اطلقوا الرصاص علينا، هربت وعلق اسماعيل ولم يجرؤ على عبور الشارع كان في الثامنة من عمره، عدت اليه وامسكت بيده وهربنا معا. ثم ما لبثنا ان وجدنا جمعا حاشدا من النساء والاطفال كانوا يجرونهم الى المدينة الرياضية حيث يتمركز "الاسرائيليون" فانضممنا اليهم".
بقروا بطن جارتنا
نهاد اخت ماهر كانت في الخامسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت. الان هي متزوجة ولديها ستة اطفال، قالت انها كانت تحمل اختها الصغيرة على يدها عندما بدأ المسلحون باطلاق النار"لا اعرف كيف سقطت من يدي، اصيبت بطلقة في رأسها وانا ايضا وقعت على الارض. اخذت اختي تحبو - وتفرفر - باتجاه امي وهي تصرخ ماما.. ماما.. اطلقوا الرصاص على رأسها فسكتت على الفور. جارتنا ليلى كانت حاملا. عندما اصيبت بدأ الماء يتدفق من بطنها، وماتت. تظاهرت بالموت، وبعد خروجهم بقليل - لا ادري بكم من الوقت - بدأت اتفقد الجميع. فهمست لي امي : ارتمي وتظاهري بالموت قد يعودون.
اجبتها لا آبه، فليعودوا ! عندها خرج ماهر - واسماعيل في ما بعد. كنت اظنهما ميتين. ما ان رأيت ماهر ارتميت على الارض، فقال : لا تخافي انا ماهر. عندها اطمأننت انا ووالدتي، وقمنا لحمل اختي سعاد ومساعدتها على النهوض فلم نستطع. لقد كانت مشلولة. طلبت من ماهر واسماعيل ان يهربا الى خارج المخيم وان يركضا باقصى سرعة حتى لو اضعنا بعضنا. لم يكن معنا مال، اذ اخذوا كل مالنا. كان لدينا عشرون الف ليرة خبأناها في "كيس حفاضات" اختي الصغيرة، رغم اني تظاهرت انه مجرد كيس حفاضات ! كان المسلحون يتكلمون بالعربية، لكن البعض منهم لم يتكلم على الاطلاق، كانوا شقرا، وعينوهم زرقاء، عندما هربنا، اضعنا ماهر واسماعيل وبقيت مع امي على امل ان نذهب الى مستشفى غزة لاحضار اسعاف الى سعاد. اخذنا نتنقل من بيت الى آخر ونحن ننزف. كثيرون لم يصدقوا في البداية ان مجزرة تحدث في المخيم، الا عندما رأونا مصابين والدم يغطينا. وصلنا الى مستشفى غزة فوجدنا اخوي الكبيرين احمد ومحمد هناك امام المستشفى. كانت الناس تتجمع عند مدخل المستشفى. كانوا يصرخون والرعب يسيطر عليهم.
كان الصراخ رهيبا، كانه يوم القيامة، تركنا المستشفى بعد ان نزعوا منا الرصاصات وهربنا الى منطقة رمل الظريف. امي تعبت كثيرا من انتفاخ صدرها بالحليب، فاختي الصغيرة كانت ما تزال ترضع قبل ان تقتل، ومع موتها بدأت امي تعيش حالة الفطام ! كان فطاما نفسيا وجسديا لم تستطع تحمله فمرضت كثيرا".
سألتها عن اختها سعاد التي بقيت في البيت، قالت انهم عادوا الى البيت وضربوها "بجالون المياه" واطلقوا عليها النار مجددا ! "بعد الحادثة، لم نعد نتكلم مع بعضنا عما جرى. كنا نخاف على بعضنا من الكلام. لذا، لم اسأل سعاد شيئا ! ! ".
عندما اذهب احيانا لانام عند والدتي، اذهب الى بيتها في الروشة - الذي تسكنه كمهجرة منذ المجزرة. لا احب ان انام في بيتها في المخيم، - حيث جرت المجزرة لاني عندما اذهب الى هناك لا انام ابدا. قليلا ما تأتي امي الى بيت المخيم. بل هي لا تهدأ في مكان منذ حادثة المجزرة، وتتنقل باستمرار بين بيوت الاقارب والأصدقاء. لم نعد كما كنا ابدا. تصوري اننا عدنا وفقدنا اخي اسماعيل في حرب اقليم التفاح".
نهاد التي نجت من المجزرة، لا تجد اليوم ما تطعم به اطفالها، رغم تردادها كلمتي "الحمد الله" زوجها عاطل عن العمل منذ سنوات، هو يعمل في البناء، لكن الاجور المتدنية التي يتقاضاها العمال الآخرون تقضي على امكانية ايجاد أي عمل، حتى لو قبل ان يعمل باجر زهيد، فان ذلك الأجر لا يكفيه، بسبب الغلاء الفاحش في لبنان، وهو لا يستطيع ايجاد أي عمل اخر بسبب التقييدات المفروضة على عمل الفلسطينيين في لبنان.
الجرح ما زال ينزف
"ستة عشر عاما مضت على المجزرة. كانها البارحة" ! قالت ام غازي التي فقدت احد عشر شخصا من افراد عائلتها. "لا تقلقي يا ابنتي" - قالت لي "انت لا تذكرينني بشيء. فانا لم انس كي اتذكر والجرح ما زال ينزف. عندما جاء المجرمون الى بيتي كنا نقيم ذكرى اربعين ابنتي. كانت قد توفيت في المبنى الذي قصفه "الاسرائيليون" في منطقة الصنائع، وكان مقرا لابو عمار. جاء افراد عائلتنا من صور للمشاركة في ذكرى اربعين ابنتي وكانوا جميعا هنا - نساء ورجالا. لم نكن نسكن في هذا البيت بل في الحي الغربي المتاخم لشارع المخيم الرئيسي - كان يوم جمعة. قتل يومها اخوتي واولادي وزوجي واصهرتي".
عندما دخلوا علينا كانوا اثني عشر مسلحا، يحملون البنادق والبلطات والسكاكين، لم نكن نعرف بالمجزرة بعد. كان الباب مفتوحا والبيت مزدحما بالنساء والاطفال والرجال. فصلوا الرجال عن النساء والاطفال. كانوا سيأخذون ابني محمود وكان يومها في الثامنة من عمره. قلت لهم "هذه بنت" فتركوه. اقتاد اربعة منهم النساء والاطفال اتجاه المدينة الرياضية وبقي الرجال في البيت تحت رحمة الاخرين. اخرجونا من المنزل حفاة. مشينا على الزجاج المحطم والشظايا. في الطريق تعثر ابني بالجثث المذبوحة والمرمية هنا وهناك وكان يحمل اخته الصغيرة. صرخت قائلة "باسم الله عليك"، فانتبه المسلح وقلت له وهو ينتزعه من بين يدي: "دخيلك. لم يبق لي غيره". طلبت منه ان يقتلني بدلا منه. اتوسل واتوسل - لكنه يصر على قتله. قال انه يريدني ان اعيش بالحسرة والحزن طيلة عمري. وبينما انا اتوسله وارتمي على بندقيته واديرها عن ابني، وضع يده خطأ على صدري. كنت اخبأ في "عبي" اثني عشر الف ليرة فانتبه وسألني ماذا اخبأ. قلت "اذا اعطيتك اياهم تعطيني ابني، فقال نعم. طلبت منه ان يقسم بشرفه، ففعل ! ! ! ! اعطيته المال واخذت ابني الذي كان يرتجف من الخوف. منذ ذلك اليوم ظهرت خصلة بيضاء في شعره.
وصلنا الى المدينة الرياضية فوجدنا "الاسرائيليين" هناك. اخبرناهم بما يحدث وطلبنا منهم ان يساعدونا ويذهبوا لانقاذ اولادنا ورجالنا، قالوا: لا دخل لنا. هؤلاء لبنانيون منكم وفيكم. وحبسونا في المدينة الرياضية طيلة النهار. كانوا يتكلمون العربية. عند المغرب، اخرجونا قائلين: إياكم ان تعودوا الى المخيم. اذهبوا الى مكان اخر. ذهبنا الى الجامعة العربية سيرا على الاقدام. وجدنا اثنين سوريين، ظننا في البداية انهما "اسرائيليان" فقد كان شعرهما اشقر وعيناهما زرقاوين. اخبرناهما بما حصل لنا، وقلنا لهما اننا نبحث عن مكان نبيت فيه. فتحوا لنا الجامعة، واعطانا احدهما بعضا من ثيابه مزقناها ولففنا الصغار بها، اذ لم يكونوا يلبسون ثيابا كافية عندما خرجنا، لم يكن لدينا قرش واحد. لا ندري الى اين نذهب، ولا نعرف شيئا عن رجالنا واولادنا. في اربعين ابنتي فقدت زوجي واربعة اولاد وستة من افراد عائلتي".
ام غازي لم تسكن في بيتها مجددا، اذ لم تحتمل ذلك، عندما عادت الى المخيم استأجرت منزلا اخر. تهدم بيتها القديم في حرب المخيمات، وتعيش الان في ظروف مادية سيئة للغاية، كانت تتكلم على مهل وترتجف طيلة الوقت. تعيش منعزلة عن محيطها في الم لا ينتهي.
انقضوا على الرجال بالبلطات
شهيرة ابو ردينة التي ترفض التكلم عن المجزرة عادة، تكلمت واخبرتني ماذا حدث. قالت : " كنا في الغرفة الداخلية نختبئ من القصف لأنها اكثر امانا وبعيدة عن الشارع - يقع بيتها في الشارع الرئيسي حيث جرت المجزرة الاساسية - كنا كثرا في المنزل - قالت : بقينا فيه حتى الصباح. كنا نسمع اثناء الليل صراخا واطلاق رصاص. عرفنا حينها انهم يقتلون الناس. كانوا يتراكضون في الازقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت اختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري. ما ان اصبحت في الخارج حتى صرخت "بابا" بصوت مرعب ثم سمعنا اطلاق الرصاص . خرج والدي وراءها فقتل ايضا. (وجدت جثة اخت شهيرة في ما بعد - مربوطة الى النافذة وكانت منتفخة جدا. كان عمر اختي 17 عاما، اخي كان في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجي في الثالثة والعشرين وابن عمي في الأربعين، اما والدي فكان في الستين، جميعهم قتلوا، جاءوا صباحا واخرجونا من البيت، وضعوا الرجال امام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات.
وانهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا الى الشارع الرئيسي و كنا نساء واطفالا فقط. وضعونا امام الحائط، وما ان هموا بقتلنا حتى سمعنا "اسرائيليا" يصرخ بالعبرية. لم نفهم ما يقول، لكنهم هم فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية. عندها اخذونا الى المدينة الرياضية وحبسونا عند "الاسرائيليين" في غرفة صغيرة، وكانوا طيلة الوقت جالسين معنا يشحذون البلطات والسكاكين، اخبرنا "الاسرائيليين" ماذا يفعلون بنا في المخيم فلم يهتموا.
بقينا هناك، الى ان بدأت الانفجارات. بدأت الالغام المزروعة في المدنية الرياضية تنفجر، فهرب "الاسرائيليون" الى ملالاتهم، وهربنا نحن باتجاه الكولا ".
حاولوا ذبحنا على الطريق
محمد ابو ردينة ابن عم شهيرة كان في الخامسة من عمره عندما حدثت المجزرة قتل يومها والده واخته وصهره. اخبرني محمد كيف قتلوا اخته. قال:"كانت حاملا عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين واخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها. والدي قتل امام بيت شهيرة ابنة عمه. كنا نختبئ تلك الليلة في بيت عمي. انا وامي واختي اقتادونا مع الباقين من نساء والعائلة واطفالها الى المدينة الرياضية وحاولوا ذبحنا على الطريق. كنت صغيرا ولم اع ما يحدث لنا. لم اع، الا اني كنت خائفا جدا، وعيت المجزرة عندما كبرت بسبب الظروف الصعبة التي عشناها بعد ذلك. تدمر بيتنا في حرب المخيمات واصبحنا بلا مأوى نتقل من مكان الى اخر. دخلت في ضياع تام بعد مرض امي. في عام 1992 جاء احدهم واحضر لها شريط فيديو عن المجزرة فرأيت والدي واختي. عندها اصيبت بجلطة في الدماغ، تحولت بعدها الى مجرد صورة. كانت تتوه في الطرقات فاذهب للبحث عنها. كنت في حوالي الرابعة عشرة من عمري وليس لي احد. وجدت نفسي مضطرا للاهتمام بها بدل ان تهتم هي بي، الى ان ماتت عام 1995. اضطررت للعمل وانا صغير جدا. والدتي عملت لبعض الوقت في تنظيف مكتب علي ابو طوق اثناء حرب المخيمات. كان علي يعطف علينا وساعدنا في ترميم بيتنا. انا الان وحيد وليس لي احد. المجزرة غيرت مجرى حياتي ودمرتني".
محمد الان - في العشرين من عمرة. ابيض شعره بعد المجزرة مباشرة وهو في الخامسة من عمره والمأساة حفرت عميقا في قسمات وجهه. يبدوا الان اكبر من عمره بعشر سنوات على الاقل. قال انه يسعى حاليا للهجرة. اذ لم يعد يحتمل الحياة هنا ! ".
القتل ذبحا او بكواتم الصوت منع الفلسطينيين من معرفة ما يجري في المخيم. كثيرون لم يصدقوا ان مذبحة تجري في مخيمهم. روى العديد من اهالي المخيم كيف كانوا يتجمعون في بعض المساحات يتسامرون ويتناقشون ويشربون القهوة. بينما تجري على بعد امتار منهم عمليات ذبح وقتل. في ساحة الجامع، اخبرنا بعض المسنين كيف لم يصدقوا ان مجزرة تحدث في المخيم الا بعد قدوم نساء واطفال تغطيهم الدماء. قال "ابو محمد" انه كان ضمن وفد الرجال الذي تشكل لمقابلة "الاسرائيليين" وتسليم المخيم لهم كي تتوقف المجزرة. كان ابو محمد "الوحيد" الذي نجا من الوفد، اذ تخلف عنهم وذهب لاحضار بطاقة هويته من المنزل. سرعان ما قتل اعضاء الوفد رغم خروجهم حاملين شرشفا ابيض.
اخبرني احد الرجال الذي رفض ذكر اسمه ان المخيم كان محاصرا بالجيش "الاسرائيلي" من جميع مداخله. "عندما علمنا بالمجزرة اردنا ان نخرج لكننا خفنا ان يقتلونا. عند ذلك قام احد الشباب باشعال قنينة غاز ورميها في مخزن للاسلحة في المخيم. بدأ المخزن يتفجر فهرب "الاسرائيليون" والكتائب بعيدا عن مكان الانفجار. عندها تمكنا من الخروج من طريق على مقربة من المخزن المنفجر ! ".
توقفت المجزرة السبت في 18 ايلول، مئات الجثث في الشوارع والازقة ترقد تحت اطنان من الذباب. اطفال مرميون على الطرقات. نساء وفتيات تعرضن للاغتصاب منهن من بقين على قيد الحياة، ومنهن من قضين عاريات في اسرتهن او على الطرقات او مربوطات الى اعمدة الكهرباء ! ! رجال قطعت اعضاؤهم الجنسية ووضعت في افواههم، مسنون لم ترأف بهم شيخوختهم ولم يعطهم المجرمون فرصة ان يرحلوا عن هذا العالم بسلام، ومن لم يقض منهم في فلسطين عام 1948 قضى في المجزرة عام 1982، حوامل بقرت بطونهن وانتهكت أرحامهن واطفال ولدوا قسرا قبل الاوان وذبحوا قبل ان ترى عيونهم النور.
المقبرة الجماعية التي دفن فيها الضحايا هي اليوم مكب للنفايات ومستنقع يغرق في مياه المجارير ولا يسع الموتى - حتى في موتهم - ان يرقدوا بسلام ! ! اما الناجون، فيعيشون في ظروف انسانية وسياسية صعبة، اقل ما يقال فيها انها موت بطيء يلاحقهم - منذ المجزرة - انى حلوا !
كيف نقرأ المجزرة اليوم ؟ انقرأها كمجرد ذكرى نستعيدها ام نقول "عفا الله عما مضى " ونمضي الى حياتنا وكأن كل شيء على ما يرام ؟ هل نكرر المطالبة بمحاكمة الفاعلين، اليوم وقبل الغد، ام ننتظر تغير موازين القوى الدولية والمحلية ونقول للعدالة ان تنتظر؟ من يقرر العفو عن المجرمين وبأي حق يعفو؟ واذا قبلنا ان نعفو عن جرائم الحرب في لبنان فكيف نربي اطفالنا بعد ذلك؟ انربيهم ان الحق للقوي ام نربيهم على الخوف بحجة حمايتهم من القتلة، ام نطلب منهم التغاضي عن دم الابرياء، فينشأون "بلا دم" وفاقدي الحس والعدالة؟ وان اكملنا على هذا النحو- ونحن اكملنا - انمنع "اسرائيل" من ارتكاب مجازر جديدة ؟ ! وهل نمنع المجرمين الذين يعيشون بين ظهرانينا من تكرار ما فعلوا؟ وهل تصدق توبة تائب منهم - لو تاب؟ - لا يضع نفسه طوعا امام القضاء ؟ ! !
2017-07-09, 06:40 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عضو من عائلة أبو هاشم بمصر
2017-07-08, 18:28 من طرف Hany
» مربعانية الشتاء
2017-07-08, 08:59 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» ونذرت شعري للمسرى
2017-07-08, 08:57 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» عايد أبو فردة يشهر كتابه «ديوان السامر الفلسطيني»
2017-07-08, 08:54 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» "وادي الكلاب".. خربة لا ترى النور ---- قرية الصرة
2017-07-08, 08:26 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» طموح مواطنو قرية الصرة في دورا - الخليل
2017-07-08, 08:20 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» دعاء لشهر ذي الحجة 1437
2016-09-03, 20:29 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» صورة وجهاء عائلة أبو هاشم
2016-09-03, 19:53 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم
» اثناء العمل ... فارس طه ابو هاشم
2016-09-03, 19:14 من طرف إدارة منتدى عائلة أبوهاشم